حسن العاني
من مسموعاتي وليس من ابتكاري، إنّ الناس التي لا تتوقف عن طرح الأسئلة، وهي من النوع الذي يحمل دمه جينات الفيلسوف بحكم التساؤلات الكونية التي يطرحها، أو من النوع الذي يحمل دمه جينات الجاهل، بحكم الأسئلة المزعجة التي لا ينفك عن ترديدها، وأقسم بالأخوة العربية الكردية إنني من النوع الثاني!.
منذ سقوط الصنم في ساحة الفردوس على يد المتظاهرين البغداديين ومساعدة الجنود الاميركان، وإعلان العراق جمهورية فيدرالية حرة خالية من أمراض الدكتاتورية وعنجهية الفرد، لم تتوقف أسئلتي عن تلك الحسناء الفاتنة المثيرة التي شغلت بالنا عقداً على عقد (الديمقراطية)، حتى اسمها فيه إيقاع موسيقي جميل، ما شكلها ومضمونها وما معنى اسمها، هل هي فعلاً ذلك الحلم الثوري العظيم الذي قتلنا الملك من أجله وسحلنا نوري السعيد، وقدمنا الآلاف من شبابنا ضحايا للسجون والمعتقلات والمشانق، أم إنها محض وهم؟
هل هي حقيقة موجودة على أرض الواقع أم كذبة نيسان صفقنا لها طويلاً قبل أن نكتشف خيبتنا؟ هل صورتها في لندن وواشنطن وباريس بالملون، وصورتها عندنا بالأبيض والأسود؟ هل هي في الحرية التي نكتب بها من دون خوف، أم في أن احداً لا يقرأ كتاباتنا؟ هل هي في الكشف عن حالات فساد يومية من العيار الثقيل، أم هي في غض الطرف عن المفسدين وطمطمة فضائحهم والاحتفاظ بملفات فسادهم في مخازن مبردة، لكي تبقى طازجة ويمكن استعمالها عند
الحاجة؟
ولهذا كنت أقول لنفسي: بدلاً من أن تتراجع ظاهرة الفساد ويتم تحجيمها، فإنها آخذة بالتوسع والانتشار كأنها خلية سرطانية، ثم أتساءل: أي الموقفين من الفساد هو الديمقراطية، هل هو من يسرق أم من يتستر على السرقة؟.
وما زال ليلي طويلاً، وأسئلة تنهال على رأسي كالكوابيس: هل هناك نص أو فقرة تشير صراحة أو من طرف خفي إلى أن من شروط قيام الديمقراطية ونجاحها واستمرارها، أن تولد في البلد طبقة أثرياء، حتى باتت مفردة (المليارديرية) إحدى صفاتها المعلنة، مقابل ولادة طبقات لا تحصى ولا تعد من الجوع والبطالة والحرمان، ومن المتعففين والشعراء والفنانين والصحفيين والمتقاعدين والمثقفين والعاطلين والأرامل وآكلي لحوم بطونهم وسكنة المنطقة الواقعة تحت خط الفقر، انقذوني من نفسي ومن أسئلتي واخبروني: هل بلدان الديمقراطية التي تتمسك بديمقراطيتها هي على هذا النحو: أم أن ديمقراطيتنا مبتكرة؟ وهل كل ما جرى هو الذي يسمونه (اللعبة الديمقراطية) أم أنه لعب على الناس وضحك على الذقون؟.