أحمد عبد الحسين
هذهِ سابقة محمودة في الفعل السياسيّ العراقيّ. لأول مرة في تاريخ الدولة العراقية يطلق حزب سياسيّ حملة لبناء مقرٍّ له. وقريباً سيكون في بغداد أوّل مقرّ حزبيّ بُني فعلاً بأموال الجمهور والمناصرين والمحبين. الحزب هو الشيوعي العراقيّ، أعرق أحزابنا وأكثرها نزاهة وفقراً. كل الأحزاب، صغيرها وكبيرها، اتخذتْ لها مقارّ جاهزة من أملاك الدولة وسكنتها. وأحسب أنّ هذا الأمر أسهم ـ إضافة إلى الأسباب المعروفة ـ في ترسيخ الصورة النمطية عن الأحزاب بوصفها كيانات ورثتْ سلطة غابرة وتسعى إلى سلطةٍ مقبلة. وسواء تعمّدنا التأويل أو لم نتعمّده، فإنّ السكنى في بيت سلطة سابقة له دلالات رمزية ستقفز تلقائياً حتى من دون أن نتدبّر في الأمر، ولذا ورد في القرآن الكريم ذمّاً ضمنياً لمن سكن بيوت الظالمين "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال". تحذيراً من أن ينتهوا كالنهاية التي وُصفتْ في آية أخرى " فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم". وحقاً فإنّ هذا الأمر مؤثر من الناحية النفسيّة وله ارتداداته في وعي الناس وفي لاوعيهم أيضاً: أن تقف الأحزاب الغنيّة المتنفذة ذات اللجان الاقتصادية بالضدّ من سلطة بادتْ وأصبح ذكرها عاراً من دون أن تكون لهذه الأحزاب همّة لإنشاء بيت جديد لها. ألا يشكّل ذلك مفارقة؟ بلى. لأنّ من لا قدرة له على بناء بيته من أين تأتيه الرغبة في بناء بيوت الناس؟ كان الحزب الشيوعيّ "الفقير" يستأجر مقراً له من وزارة المالية، وأنا أعرف أن ثمن المقرّ كان باهظاً بالنسبة لميزانيّة الحزب. ولهذا أحببتُ ما فعلوه حين جعلوا أمر بناء مقرّهم الحزبيّ عملاً وطنياً متاحاً لسائر العراقيين. نأمل أن تكون خطوة الشيوعيّ معدية لأحزاب أخرى تقتنع أخيراً أنّ مقراً خاصاً بها سيشكّل تفصيلاً مهماً من تفاصيل هويتها. نأمل أن تصيبهم هذه العدوى. لأن العافية ـ لا الوباء وحده ـ تعدي أيضاً.