أحمد عبد الحسين
عمودي هذا سيغضب كثيرين، ومع ذلك أقول:
جزء أساس من هويّة احتجاجات تشرين أنها موجّهة ضدّ النظام الذي يجعل من السياسيّ ممثلاً لمكوّنه، وبالتالي كان الاحتجاج صريحاً ضدّ العملية السياسيّة برمّتها فهي ليستْ سوى ادّعاء متواصل بتمثيل مكوّنات.
والعمل السياسيّ الناظرُ إلى تمثيل مكوّنٍ ما، هو عملٌ فاشل لا طائل تحته، مخفقٌ حتى قبل أن يبدأ، لأنه إذا نجح سيكون وصفة تقسيم، فمن الأفضل لنا وللعراق وللأجيال المقبلة أن يفشل وأن يسقط كلُّ فعل سياسيّ يروم تمثيل "المكوّن".
تابعتُ قبل أيام هجمة شنّتها جمهرة كبيرة من محتجي تشرين في وسائل التواصل ضدّ مواقف النوّاب الجدد المستقلين، إما بسبب حضورهم جلسة البرلمان الأولى وتصويتهم على رئاسة المجلس، أو بسبب لقائهم مع شخصيات وكتلٍ يرى جمهور تشرين أن اللقاء بهم جريمة لا تُغتفر.
في الرواية الثورية التي كُتبتْ في ساحات التظاهر "وقد كُتبتْ بدم أجمل شباب العراق" أننا نريد وطناً، ونريده واحداً لا مجموعة مكوّنات بحاجة إلى رعاة، وأن النائب يجب أن يحوز الفهم الذي يؤهله للحديث عراقياً لا مكوّناتياً وأنّ الحفرة التي نقبع فيها اليوم محاولين الخروج منها من دون أمل، هي ببساطة لها اسم واحد: تغليب المكوّن على الوطن!
هذه الرواية العظيمة تنقضها تغريدات المحتجّين وسخريتهم من النوّاب الجدد نقضاً مبرماً. وسيل الاتهامات التي طالت نوّاباً مستقلين يضعنا أمام خطر أن يتحوّل التشرينيون أنفسهم إلى مكوّن جديد باحث عمّن يمثله ويرعاه؛ بدليل أنّ جملة "هذا لا يمثّل تشرين" تتكرر بإفراطٍ من دون أن يتدبّر أحد بفحواها.
حين تتحوّل تشرين إلى مكوّن تموت. نعمْ هي رفعتْ نوّاباً ليكونوا لائقين للحديث باسم وطنٍ، فلنترك لهم فرصة أن يتصرّفوا كنوّابٍ لا كمتظاهرين.
تشرين لا تحتاج إلى من يمثّلها بقدر حاجتها إلى منْ يتمثّلها عميقاً ويتصرّف وفقاً لمقتضى أنه يريد "وطناً" ويعمل لتحقيق مطالب الوطن لا مطالب مكوّن جديد، فقد جعلتنا المكوّنات مزقاً!