أحمد عبد الحسين
سنة 2008 أيّام الأزمة المالية العالمية، كنت في زيارة لدولٍ أوروبية، رأيتُ في كثير من المتاجر والمقاهي التي دخلتُها صورة لكارل ماركس «نفس الصورة كأنما استُنسختْ ووُزعت عليهم» تُظهِر نصفَ جسده العلويّ وعليه سيماء غضبٍ مادّاً سبابته متوعداً وتحتها هذه العبارة:
I told you. I was right.
الصورة ذاتها في باريس كما في أمستردام وكوبنهاكن. الرجل الملتحي يطالب بأن نعيد الاعتبار إليه، وأن نتذكره بخير، وإنْ لم نقدر على تذكّره دائماً فعلى الأقلّ، على الأقلّ مع كلّ أزمة اقتصادية تعصف بالعالم. ولذا وجب اليوم تذكّر ماركس بخير.
غلاء السلع الأساسية يضرب السوق العراقية مهدداً الطبقتين الفقيرة والوسطى. وهي على ما نقرأ ونشاهد أزمة عالمية. ومع كلّ تغيير يهدّد قوت الناس تسقط النظريات التي أرادتْ تفسير أسباب الصراع الإنسانيّ، وتصبح معها “دراسات الهويّة” هباء منثوراً.
كلما رأى الإنسان شبح الجوع يتخاطر في مدينته سيلعن هنتنغتون وصراع حضاراته؛ وسيندم لأنه صدّق أن التغالب بين بني البشر تغالبٌ بين دينين أو طائفتين أو عقيدتين؛ وسيضحك على نفسه: كيف انطلتْ عليه خدعة السحرة الذين أقنعوه أنه وهويّته شيء واحدٌ وأنه بدفاعه عن الفكرة فإنما يدافع عن وجوده.
مع ألم الجوع تسقط هذه الأصباغ وتظهر الحقيقة عارية: الصراع طبقيّ؛ هكذا كان وهكذا سيكون. لأنّ بضعة أشخاص متنفذين قادرون على جعلك جائعاً ولأنّك حين لا تجد قوت عيالك ستنظر بطرف عينيك إلى سيفك كما نصحك أبو ذرّ الغفاريّ.
نظريات زائفة أرادتْ إقناعنا أن كرامة الأمّة مقدّمة على كرامة الفرد، فعاش الناس وهمْ ـ كما في عنوان دوستويفسكي الشهير ـ “مذلّون مهانون” بانتظار أن تكون للأمة وقادتها كرامة! وهيهات. لأنّ الخوف من الفقر وحده يجلو صدأ الأوهام ويضعنا أمام حقيقة أن لا كرامة لأمّةٍ وأفرادُها جائعون.
قالها الرجل ذو اللحية الشعثاء .. وكمْ كان على حقّ!