الاتفاق النووي بين مسارين

قضايا عربية ودولية 2022/03/13
...

 محمد صالح صدقيان 
لم يجرؤ أحد على القول إن المفاوضات قد انهارت ووصلت إلی نقطة النهاية من دون التوصل لنتائج؛ لأن مثل هذه النهاية لا تخدم مصالح أي من الأطراف المتفاوضة ناهيك عن بقية الدول المهتمة بنتائج هذه المفاوضات
إذا ما استبعدنا الكيان الإسرائيلي فلن نجد من يدعو لانهيار المفاوضات النووية التي بدأت منذ نيسان /أبريل من العام الماضي. جميع الأطراف المعنية بهذه المفاوضات تتحدث عن "توقف" في المفاوضات بعدما عاد كبير المفاوضيين الإيرانيين علي باقري إلی بلاده من دون تحديد موعد للعودة إلی فيينا فيما المفاوض الأميركي روبرت مالي عاد هو الآخر إلی واشنطن انتظارا لما ستؤول له التطورات.
لم يجرؤ أحد القول إن المفاوضات قد انهارت ووصلت إلی نقطة النهاية من دون التوصل لنتائج؛ لأن مثل هذه النهاية لا تخدم مصالح أي من الأطراف المتفاوضة ناهيك عن بقية الدول المهتمة بنتائج هذه المفاوضات لأسباب اقتصادية تارة وأخری أمنية أو ثالثة سياسية. علی العكس من ذلك وضعوا لها سببا آخر وهو احتياجها للتوقف بعض الشيء في حين أعلن البعض أن "عوامل خارجية" هي التي أوصلت المفاوضات إلی حالة من الانسداد بعدما لاحت المؤشرات إلی قرب خروج الدخان الأبيض من مدخنة الفندق النمساوي العريق.
كنا نعتقد عند نشوب الأزمة الأوكرانية أنها لن تؤثر في مفاوضات فيينا بسبب وصول هذه المفاوضات إلی نهاياتها وأنها بحاجة إلی "لمسات أخيرة" لاكتمال صورة المفاوضات لكننا فؤجنا بالعقوبات الواسعة التي فرضت علی روسيا وعدم تمكن الأخيرة من حسم الأوضاع في أوكرانيا بما يشتهي الكرملين. مفاوضات فيينا وجدت نفسها أسيرة لتداعيات هذه الأزمة؛ في الوقت الذي لم تحسم فيه طهران موقفها حيال الأزمة الأوكرانية والموقف من روسيا وكل الخيارات المطروحة صعبة. الآن يتم الحديث عن شرط وضعته روسيا بشأن العقوبات التي وضعتها الإدارة الأميركية علی روسيا حيث تعتقد أن هذه العقوبات يجب أن لا تشمل التعاون الروسي الإيراني. هذا الشرط مهم لروسيا في اختراق العقوبات من جهة ومن جهة أخری فان ذلك يسهم في تطوير مفاعلات إيران النووية التي يجب أن تصل إلی 30 مفاعلا حسب الخطة 2040 والتي تسهم روسيا في إنشائها.
يجب التذكير بأن هذا الأمر ليس هو السبب الوحيد لتوقف المفاوضات بل هناك سبب آخر تعلق بمطالب أميركية جديدة لم يكشف  النقاب عنها قالت عنها المصادر الأميركية إنها تتعلق بالرأي العام الأميركي الداخلي وضرورة إدراجها في الاتفاق من أجل معالجة الرأي العام؛ مما حدا بوزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان بالرد إذا كانت هناك معالجة للرأي العام الأميركي فان الرأي العام الإيراني يحتاج إلی اضعاف الخطوات التي تطالب بها الولايات المتحدة. لكن مهما يكن من سبب فان توقف المفاوضات في المئة متر الأخيرة من السباق اعطی جرعة من المنشطات للسجال الإيراني بشأن الموقف من روسيا والأزمة الأوكرانية والذي انعكس علی الاتفاق النووي الذي طال انتظاره في الداخل الايراني والذي يؤثر في سعر صرف العملة والوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي. لا توجد مؤشرات واضحة في إيران حتى الان علی حسم الموقف من الأزمة الأوكرانية؛ كما لا يوجد "وضوح" بشأن مستقبل العلاقة مع روسيا.
إيران بين مسارين، الأول أنها لا تثق بالولايات المتحدة والدول الغربية حتی تضع كل البيض في السلة الغربية وتتخذ موقفا معاديا لروسيا ومؤيدا للدول الغربية. الثاني أنها تعلم بأن الوقوف مع روسيا سيضعها مجددا أمام عقوبات جديدة مفروضة علی روسيا لكنها ستتأثر فيها إذا ما ذهبت بعيدا في علاقاتها مع موسكو.
في داخل إيران يری البعض أن إيران لا تملك خيارات متعددة بشأن روسيا التي وقفت معها في فترة العقوبات وتقف معها حاليا في المفاوضات النووية كما أنها وقفت معها في مشروعها في سوريا وبذلك فهي أهون الضررين في حدها الأدنی. في مقابل ذلك تقف نظرة تقول إن إيران يجب أن تكون علی الحياد لأن اللعبة كبيرة وهي بين دولتين متصارعتين تبحثان عن تقاسم نفوذ وتكوين تحالفات واستقطابات ولا يهمهما غير مصالحهما ومن الخطأ الانحياز لصالح هذا الطرف أو ذاك؛ ناهيك عن أن روسيا وافقت علی أربعة قرارات مقاطعة صادرة من مجلس الأمن الدولي بحق إيران قبل العام 2015 حيث وضعت أحد هذه القرارات إيران في الفصل السابع من منشور الأمم المتحدة وهي الآن لا تكترث بالطلعات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف المستشارين الإيرانيين المتواجدين في سوريا 
يبدو لي أن حسم الموقف الإيراني يؤثر بشكل كبير في حلحلة المفاوضات النووية بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر؛ ولا زلت أعتقد أن إيران لا زالت تفقد الثقة المطلوبة بالمصداقية الأميركية لأسباب عديدة آخرها الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. 
"القرارات السياسية" المطلوبة من جميع الأطراف قد تستطيع إحياء المفاوضات النووية؛ وإلا فإن وضعها تحت طائلة الأزمة الأوكرانية لا يخدم إيران ولا يخدم الولايات المتحدة لأن إيران في نهاية المطاف دولة كبيرة في الشرق الأوسط وتمتلك أوراقاً متعددة وأن الاقتراب منها يعني الاقتراب من هذه الأوراق ومن الشرق الأوسط الذي يسترخي علی رماله المتحركة الساخنة.