سياسيون: تداخل السلطات يلغي أهم مبادئ الديمقراطية

العراق 2022/03/22
...

 بغداد: حيدر الجابر
 
تَشهد التجربة الديمقراطية العراقية مساحات رمادية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يبادر النواب أو الوزراء والمدراء العامون إلى ممارسة دور لم يكفله الدستور لهم. فمع اقتراب كل موسم انتخابات، يتحول النواب إلى مسؤولين تنفيذيين لتبليط الشوارع وضمان التعيين وتوفير المياه وتأسيس المجاري، وبالنسبة للوزراء والمدراء العامين فانهم يمارسون دور الشرطي الرقيب الذي يحاكم ويقضي ويلقي القبض على الموظف، في تجاوز واضح على الصلاحيات. وأقرّ مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، د. مظهر محمد صالح، بوجود تداخل في الصلاحيات والاختصاصات، ولا سيما في ما يخص قانون الموازنة.
وقال صالح لـ”الصباح”: إن “مبدأ الفصل بين السلطات من أولى المبادئ السامية التي اعتمدت في دساتير البلدان الديمقراطية كافة».
وأضاف أن “مبدأ فصل السلطات في دستور جمهورية العراق 2005 واضح في النظام الديمقراطي للعراق، وبحسبه يتم تقسيم صلاحيات النظام إلى سلطات منفصلة تفحص، وتوازن، وتقيد بعضها البعض».
وتابع صالح أن “للبرلمان وظيفتين: الأولى مراقبة السلطة التنفيذية في أداء السياسة العامة التي رسمها الدستور، والأخرى سن أو تشريع القوانين، فضلاً على كونه يتشارك مع السلطة التنفيذية كإحدى سلطات التعيين للوظائف السيادية في الدولة».
وبين صالح أنه “يحصل أحيانا التصويت على مشروع قانون لم تتقدم به السلطة التنفيذية كمسودة قانون إلى مجلس النواب، مما يرتب عبئاً على أعمال السلطة التنفيذية من دون علمها أو مشاركتها”، ولفت إلى أنه “عند تشريع قانون الموازنة العامة الاتحادية فان مهمة مجلس النواب تنحصر بموجب الدستور بفقرتين هما: خفض النفقات، وإجراء المناقلات فحسب، قبل التشريع، وليس إضافة فقرات تزيد من أعباء الإنفاق العام بشكل غير مباشر وتعرقل عمل السلطة التنفيذية وتوليد تضارب قانوني».
وذكّر صالح بما حصل في موازنة العام 2021 حيث طعنت الحكومة بنحو عشرين فقرة أمام المحكمة الاتحادية وكسبت الطعن، مبيناً أن “مثل هذه الأمثلة تجسد نوعاً من التداخل بين عمل السلطات وأضعف من مبدأ واختصاصات الفصل بين السلطات في الأنظمة الديمقراطية، ما يدفع سلطة للتسيد على السلطات الأخرى من دون توازن وخارج الاختصاص”، وختم بالقول إنه “أمر يتعارض مع البناء الديمقراطي للدولة».
من جانبه، ذهب النائب عن تحالف السيادة، محمد عبد ربه، إلى رأي مستشار رئيس الوزراء، وأقرّ بوجود هذا التداخل، منتقداً ممارسة التشريعي دوراً تنفيذياً، والعكس بالعكس.
وقال عبد ربه لـ”الصباح”: إن “العمل الديمقراطي يفصل بين السلطات وفق الدساتير الدولية”، موضحاً أن “الدستور العراقي أعطى صلاحية تشريع القوانين ومراقبتها لجهة محددة، وتنفيذها لأخرى».
ودعا إلى “عدم الخلط بين السلطات لأنها محددة ضمن قوانين خاصة”، معترفاً بـ”وجود خلط بين صلاحيات السلطات المختلفة».
وأوضح أنه “لا يمكن للمسؤول التنفيذي أن يراقب نفسه، ولا يمكن للتشريعي ممارسة الدور التنفيذي، ولا يجوز التعدي على الصلاحيات بين هذه السلطات”، لافتاً إلى أن “أحد الأخطاء التي مارستها السلطة التشريعية هي ممارسة أعمال تنفيذية».
عبد ربه الذي رأى أنه “يمكن للمسؤول التشريعي مراقبة أداء التنفيذي في مجال الخدمات وإقرار الموازنة ومناقلتها أما أن ينفذها فهو خطأ”، شدد على “وجود تداخل واضح، حيث يحل التشريعي محل السلطة التنفيذية”، لافتاً إلى “حالات أصدر فيها رئيس البرلمان أوامر لجهات تنفيذية».
بينما رأى الخبير الدستوري، ماجد مجباس، أن الأخطاء في الأنظمة الديمقراطية الحديثة واردة، لافتاً إلى أن الدستور العراقي أقر الفصل بين السلطات.
وقال مجباس لـ”الصباح”: إن “النظام العراقي نظام ديمقراطي أقر الفصل بين السلطات بشكل صريح”، مستدركاً أن “هذا لا يعني القطيعة وعدم التعاون وإنما يعني الاختصاص وعدم التجاوز عليه».
وأضاف أنه “توجد وقائع أثبتت تجاوز هذه السلطات، ومنها قرار المحكمة الاتحادية الأخير الخاص باللجنة المعنية بالتحقيق بقضايا الفساد المعروفة بلجنة (أبو رغيف)». وأشار إلى أن البرلمان “يصدر أحياناً قرارات تتداخل مع صلاحيات الحكومة، مثل إصداره قراراً يلزم السلطة التنفيذية بالقيام بإجراء محدد داخلياً أو خارجياً، وهذا يعني أن الدور الرقابي التشريعي يأخذ دور التنفيذي».
وذكر مجباس أن “النظام الديمقراطي حديث النشأة في العراق، وأن هذه الممارسات تحتاج إلى استقرار في المبادئ، والمخالفات واردة، وهي ليست سبّة، حيث أنها واردة في العديد من الأنظمة”، داعياً إلى “إعادة الأمور إلى نصابها من خلال الطعن بالتجاوزات أمام القضاء».