أدرينالين

العراق 2022/03/27
...

أحمد عبد الحسين
القَول إن النظام السياسيّ كلّه فاسد وفاشل ولا يُرجى له صلاح ولا تؤمّل منه فائدة، قول صحيح لكنه منقوص. نصفُ الحقيقة أحياناً أخطر من الكذب. ونصف الحقيقة الآخر في هذا القول هو أنّ النظام ـ أيّ نظام ـ لا يكون فاشلاً وفاسداً إلا إذا أدير من قبل فاشلين وفاسدين.
يخترع الناس أنصاف الحقائق عادة لتبرئة أنفسهم، وهذا هو عينُ ما يبتغيه مَنْ يطلق الجملة أعلاه “النظام هو الفاسد”.
النظام فاسد، لكنّ قيمة كلّ نظام هي قيمة المتسلطين عليه والمستفيدين منه. ونظامنا السياسيّ لم يستفدْ منه إلا بضعة أشخاص “بمعيّة عوائلهم ومؤيديهم”، لكنّه صمّم بطريقةٍ شيطانيّة على شاكلة الألعاب الرياضية، كرة القدم تحديداً، حيث يشعر المتفرجون بغبطةٍ عظيمة ومتعة لا توصف ويرون أنفسهم محظوظين أكثر حتى من اللاعبين.
متعة التفرّج أقوى من اللعب، خاصةً وأن اللعبة تحتوي على كلّ ما يحبس الأنفاس من ألعاب خطرة وأهداف ملحمية مصيريّة: بيضة الإسلام ونصرة المذهب والتصدي للمؤامرات التي تُحاك لنا منذ أن كنّا مجرد نياندرتال في كهف، ولكي لا أنسى هناك أيضاً مقاومة وانبطاح، وممانعة وانقياد، وجيران مقدسون وجيران مدنسون، وما يسرّ الناظرين ويحبس أنفاس المشجعين، وبجملة واحدة: التشويق في اللعبة كبير ففيها كلّ ما يرفع نسبة الأدرينالين؛ ولولا ذلك لافتضحت اللعبة ولتركنا الملعب.
مشجعو كرة القدم يحبّون أنصاف الحقائق لأن المتعة عندهم أهمّ. يظلّون يشجعون ناديهم حتى وهو يقدّم أداء هزيلاً، بل يشجعونه حينها بحماس أكبر ليشدّوا من أزر لاعبيهم الفاشلين. وإذا خسر سيحزنون لكنهم في المباراة المقبلة سيكونون معه وهم يعرفون أنه فريق 
ضعيف فاشل.
الذين بلغوا بالعراق هذا المبلغ ما زالوا أقوياء ـ برغم فشلهم، بل برغم اعترافهم المتكرر بفشلهم، لأنّ اللعبة مغرية والجمهور يدرك أن الفريق فاشل فاسد لكنه (فريقنا) على أية حال، وقضايانا الملحمية “كمحاربة العالم والتصدّي لمؤامراته ونصرة طوائفنا” أكبر من أن نلتفت لهذا الفشل.
منذ عشرين سنة، اللعبة مليئة بالإثارة، والأدرينالين في أعلى مستوياته، والجمهور مستمتع أكثر من اللاعبين.