عشرون سنة ودقيقتان

العراق 2022/03/30
...

أحمد عبد الحسين
 
أربعة عوامل رئيسة تحكّمتْ بالعملية السياسيّة، أسهمتْ ـ منفردةً حيناً ومتواشجةً أغلب الأحيان ـ في رسم حياتنا وتقرير مصائرنا. كلّ واحد منها يؤثر في الآخر بشكل مؤكّد؛ والساسة، الأقوياء منهم خصوصاً، عرفوا كيف يبرعون في اللعب على هذه الخطوط. لنأخذها بالترتيب:
الأول: الديموقراطيّة التي كانتْ متمثلة عندنا بالانتخابات فقط وفقط. فنحن لا نعرف من الديموقراطية إلا صندوقها. يستغرق زمننا الديموقراطيّ دقيقتين يملأ فيهما المواطن الديموقراطيّ ورقة الانتخاب ويغطّ إصبعه في الحبر البنفسجيّ السريّ ويخرج منتشياً بديموقراطيته. هذا العامل يشكّل الأساس الشرعيّ المعلن والظاهر للعملية السياسية.
الثاني: المال الوفير الذي استحصلته الأحزاب وشخوصها الكبار نتيجة الفساد وصفقات العقود، وكان له الأثر البالغ في التأثير في المواطن في أحرج لحظاته وأعني تحديداً في هاتين الدقيقتين المشار لهما آنفاً في "أولاً".
الثالث: السلاح، التلويح باستخدامه أو استخدامه إذا اقتضى الأمر، وهو من اختصاص الأحزاب التي لا تُسأل عمّا تفعل، وكان لهذا العامل تأثير في الفقرتين الآنفتين فقد كان سبباً في استحصال الأموال، كما كان العامل الحاسم في توجيه دفّة الدقيقتين الديموقراطيتين.
الرابع: اللجوء للخارج، الاحتكام لدولة قريبة كبرى، والاتكاء على دولة بعيدة عظمى، وقد حاول ساسة وحكومات أن يوازنوا بين الولاءين ونجح بعضهم إلى أن صارت اللعبة مكشوفة. هذا العامل يمكن أن يقال عنه إنه الشرعيّة السريّة للعملية السياسيّة، لكنه أقوى وأدوم من مجرد دقيقتين.
تضافر العوامل الأربعة أوصلنا إلى الفشل الذريع وفقدان الأمل. وحين يفقد الناس أملهم يبدؤون بالبحث عن عامل خامس متاح دائماً وأبداً، وقدْ رأيناه مراراً وتكراراً حيث بلغ ذروته في تشرين 2019 وما بعده، وأظنه أقوى وأكثر دواماً من العوامل الأربعة مجتمعة. 
حين ييأس الفرد ينطوي على نفسه أو يبلغ به اليأس مبلغ التفكير في الانتحار، لكنْ حين ييأس المجموع فإنّ عاصفة اليأس تصبح بلا بوصلة، وتضرب في كلّ اتجاه.
كان يمكن للدقيقتين أن تكونا هما الحلّ لولا العوامل الثلاثة الأخرى التي ألجأت الناس إلى حلّ خامس هو أقسى الحلول.