أحمد عبد الحسين
حينَ يقدّم السياسيّ نفسه بوصفه ممثلاً لمكوّن "طائفيّ أو عرقيّ" فإنّه يضفي على اسمه وشخصه هالةً شبه قدسية لا تنبغي له ولا يستحقها وليس أهلاً لها. هو في أفضل أحواله مختارٌ من قبل أفراد انتخبوه، ومهما كان عددهم كبيراً فإنّ ذلك لا يجعله رسولَ طائفته ولا مختارَ قوميّته أو المطالبَ بحقوق أهل ملّته، إذ ليس للملّة ولا للطائفة حقوق، وإنما الحقّ شأن يختص به الأفراد.
هذا جوهر الالتباس الشيطانيّ الذي أصاب العملية السياسيّة بمقتل وأفرغها من معناها وحقنها بسموم المكوّنات وانتهى إلى أنْ يوهمَ الجميعُ الجميعَ بأنّ المحاصصة "أو التوافقية التي هي اسم دلعها" علاجنا في حين إنّها السرطان.
منذ سقوط صنم صدام، ورثنا منه ومن حزبه وطنيّةً عراقية مشوّهة ممسوخة، فأخذناها كما هي وأضفنا لها تشويهاً آخر وزدنا في انمساخها حين أقنعنا أنفسنا ـ بسبب خوف بعضنا من البعض الآخر ـ بأنّ المكوّنات "الشيعة والسنّة والكرد والأقليات" يجب أن تكون لها حقوقٌ وأن تراعى هذه الحقوق وأن يصبح الساسة ممثلين لا لمن انتخبهم بل للمكوّن، وأن يكونوا مدافعين لا عن الأفراد وإنما عنْ هذه الطائفة أو تلك.
هذه فضيحة. وفي الحقيقة فإن الفضيحة هي اسم آخر لعمليتنا السياسية الغاطسة في اللصوصية والزبائنية والكلِبتوقراطية بأجلى مظاهرها، أنها ليست فضيحة السياسيين فقط، هي فضيحة عمومية اشترك فيها كثير من المواطنين بعلمٍ أو بدونه، فكلّنا تقريباً دخلنا في هذه الغيبوبة عن الوعي حين تنازلنا طوعاً عن حقوقنا، وأعطينا الحقوقَ كلها لـ"مكوّناتنا".
وحده صوت الاحتجاج "الذي هو معجزة الجيل الجديد" تنبّه للفضيحة العمومية التي نغطس فيها، وأراد وطناً وحقوقاً واضحة المعالم لمواطنين لا لأبناء طوائف. ووحده الحراك السياسيّ الذي أعقب الانتخابات أحدث شرخاً في الجدار المكوّناتي الصلب الذي يتستّر خلفه لصوصٌ، فاسدون ولكنهم مع ذلك محصنون بحرز حريز وطلاسم للحفظ من النقد والمساءلة لأنهم ممثلو مكوّنات.
برغم كل التنابز الصبيانيّ الهابّ علينا من السوشيال ميديا وجيوشها، فإنّ نتائج الانتخابات وما ترتّب عليها من فهم وعمل مغايرين إنما كان نتيجة الاحتجاجات خلال أكثر من عقد كامل، من شباط إلى تشرين وما بينهما من شهور.