التغوّل الحزبي يشتت صورة السياسة العراقية الخارجية

العراق 2022/04/03
...

 بغداد : حيدر الجابر
سجّلتْ الحالة السياسية في العراق بعد عام التغيير في 2003 علامات فارقة لا يشابهها أي مشهد في الدول الديمقراطية، ورغم أن شكل النظام الديمقراطي الوليد في البلاد ذهب باتجاه النظام البرلماني، إلا أن العملية السياسية وباعتراف رموزها وقادتها قد فشلت في تنفيذ مقومات الديمقراطية وأسهم تشتت القرار ولامركزيته وعدم تجانس جهاته المكونة لأركان الدولة، في تشويه بوصلة السياسة الخارجية العراقية سواء بالتعامل مع الدبلوماسية الدولية أو مسؤولي الدول الزائرين للعراق أو الزيارات الخارجية للمسؤولين العراقيين بسبب حب الظهور لأولئك الساسة ومحاولتهم إظهار تفردهم وموقعهم القيادي المميز في البلاد.  
ويشترط الباحث في الشأن السياسي د. حيدر علي، "وجود منهج محدد للتعامل مع مجريات الأحداث خارجياً"، مؤكداً أن "الوضع الحالي يؤدي إلى إرباك المواقف الرسمية للحكومة".
وقال علي لـ"الصباح: "ينبغي أن يتوفر لدى الأطراف السياسية منهج محدد ومنضبط للتعامل مع التطورات والأحداث الدولية والإقليمية والداخلية، بعيداً عن التصريحات والآراء التي قد تخرج عن الإطار المنطقي للطرح السياسي"، وأضاف أن "هذا الأداء  يربك عمل الدوائر المعنية بالقرار مثلاً أو بالعلاقات الخارجية والتي تقع في مجملها على عاتق صانع القرار وإدارته"، وتابع أن "هذا ما سيفضي بطبيعة الحال إلى إرباك المواقف الرسمية للحكومة".
ودعا إلى أن "يتبنى الخطاب السياسي للقوى السياسية اتجاهاً متوازناً في إطار عام للرؤية الحكومية، ويعبر عن متبنيات الدولة في حدود مسؤولياتها السياسية والدبلوماسية على سبيل المثال، بوصفها المصدر الرئيس للمواقف السياسية الرسمية".
وبين أنه "عندما تطرح الأطراف السياسية رؤاها وآراءها بشأن موضوع معين أو حدث ما يرتبط بمنهجية الحكومة في سياق أدائها السياسي الخارجي، من دون وجود لمستويات معينة من متبنيات الخطاب الواجب توفرها بقدر تعلقها بالحدث السياسي أو الموضوع أو عند اللقاءات مع أطراف خارجية على سبيل المثال، فأن ذلك يعني الدخول في مسؤوليات ليست من صلاحيات الأحزاب ولا أعضائها ولا القوى السياسية ولا حتى أعضاء مجلس النواب المرتبطين بأفكار ومتبنيات الجهات التي ينتمون إليها". 
وأشار إلى أن "الحديث هنا في الإطار العام للقصد، وهذا يعني فقدان البوصلة السياسية أولاً، وفضلا عن ذلك يمثل المسار المنفرد والشخصي في التعاطي مع الأحداث السياسية تراجعاً في الإدراك الضروري للعوامل المحيطة بالحدث السياسي والعناصر المكونة له والأخرى المؤثرة فيه ونتائجه المحتملة ومدى صلتها بالوضع العراقي الداخلي"، محذراً من أن هذا "سينعكس بلا شك على قدرة الطرف الرسمي على ممارسة سلوك سياسي مستند إلى عمق ورصانة خلفيته الداخلية اللازم توفره لتحقيق أداء سياسي متوازن ومرن يمثل حاجة العراق الفعلية في ضوء نسق محلي غير متجانس وإقليمي غير مستقر ودولي يشهد تحولات الصيرورة المستقبلية".
ومع الزيارات المتعددة لمسؤولين من دول العالم المهتمة بالشأن العراقي، تشهد مقار الأحزاب السياسية حركة دؤوبة لاستقبالهم والتقاط الصور معهم والخروج ببيانات رمزية، فيما تعد الأزمات الدولية فرصة لهذه الأحزاب وقادتها للإدلاء بدلوهم، حتى صار هذا الأمر تقليداً لا بد منه.
وانتقد أستاذ الفكر السياسي في الجامعة المستنصرية د. حسين عباس حسين، "انعدام وجود (الكاريزما) السياسية لدى معظم السياسيين العراقيين"، محذراً من أن "المواقف الحزبية من الأزمات الدولية تواجه غالباً بعدم اهتمام أو سخرية من الدول المعنية".
وقال حسين لـ"الصباح": "لا يخفى على أي مراقب للشأن العراقي أن شخصيات الساسة العراقيين تفتقد لمقومات القائد (الكارزمي)، وهذا قد يتحدد بواقع أهمه أن الشخصية القيادية هي من تصنع ذاتها بالمواقف التاريخية في الظروف الصعبة"، واستدرك أن "هذه الفلسفة قد لا تجد لها انعكاساً في التجسيد بين من هم في زمام السلطة وصناعة القرار السياسي العراقي، لذلك تجد التعامل يتمحور بين بعدين: الأول، الرؤية الخارجية لطبيعة هذه الشخصيات، والثاني محلية التعاطي مع البوصلة الدولية وأحداثها".
وتابع حسين "لذلك تجد أن صانع القرار الدولي يتعاطى مع الساسة العراقيين وفق مبدأ الجزء لا الكل، ذلك الجزء الذي يمثل نوعاً أو صنفاً من المنظومة السياسية بأكملها، وهذا الجزء يبقى في الحسابات الدولية حالة مكملة وليست ذاتية الاستقلال في صناعة القرار العراقي، وهو مرتكز كون هذه الشخصيات لا تفكر بعقلية بناء الدولة بل هي تعتبر الدولة ساحة للتناحر والاستحواذ مع بقية الفرقاء في التنافس السلطوي في العراق".
ولفت إلى أن "المعضلة الكبرى هي ما يكمن في البعد الثاني من تعامل هذه الشخصيات (ساسة العراق) وفق المتغيرات الدولية، إذ تبحث هذه الشخصيات عن حضور في الواقع الدولي رغم أنها لا تمتلك المقومات والمعايير التي تمكنها من لعب هذا الدور المفصلي في الساحة الدولية". وبين حسين أن أسباب هذا الموقف الدولي هي أن "هذه الشخصية رهينة للإرادات ورهينة لمن يقف خلفها من رموز أتت بها للسلطة، وحتى من يتمتع بالرمزية وهو زعيم سياسي يبقى خاضعاً بنحو أو بآخر للإرادات الدولية المهيمنة في الساحة العراقية، فضلاً عن الشخصيات النزرة والتي تمتاز بالصفاقة السياسية"، وأكد "لذلك فأن بعض ما صدر ويصدر من تدخلات أو آراء في الشأن الدولي وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية، إذا ما وصل مسامع الدول المعنية فلا يعدو ردها إما التهكم أو التجاهل، وهذا نابع من فقدان المقومات المؤهلة لذلك والدور الحقيقي في التأثير الدولي".