أحمد عبد الحسين
انقضى شتاء العراق وبقيت أزماته المستعصية انسداداً سياسياً وغياب حلول وتصلباً في المواقف يُنذر بما هو أفدح، وأتى الصيف ومعه الخطر الموسميّ التقليديّ: الجفاف، ليضاف إلى سلسلة أزمات في بلاد تتعاقب عليها المحنُ تعاقبَ الفصول.
كلّ صيفٍ يكون العراق على موعد والعطش، ونشهد السيناريو الذي تتخلله أنباء لم تعد عاجلة ولا مفاجئة: تقنّن تركيا إطلاقات الرافدين، وتقطع إيران نهري الكرخا والكارون والأفرع الصغيرة الأخرى، وتطلق الحكومة مناشداتها بينما يسدّ الأتراك والإيرانيون آذانهم بالطين والعجين.
قدرنا أن نشاهد هذا الفيلم المملّ تحت شمس العراق اللاهبة، غير أن جديداً طرأ هذه المرة، فقد أعلن إقليم كردستان عن إقامة أربعة سدودٍ جديدة، وهو أمر من شأنه جعل الصيف أكثر حراً والمعضلة أشدّ خطراً.
أخطر ما في الموضوع أنْ لا تنسيق بين الحكومتين الاتحادية والكردية، لا بل إن المركز لا علم له بما يجري هناك. يستطيع أهل الشأن هنا أن يتحسسوا الخطر المحدق بهذا المشروع لكنهم لا يستطيعون إيقافه ولا العمل على تخفيف آثاره.
جيران العراق يسعون إلى جعل بلاد الرافدين بلا رافدين، كان هذا ولم يزل دأبُ إيران وتركيا، ولن يكون مخطئاً أبداً مَنْ ينظر إلى الأمر من زاوية سياسيّة. الغريبُ أنْ إقليم كردستان أضاف اسمه إلى لائحة الراغبين بتصحير العراق. والجنبة السياسيّة ليست بعيدة أيضاً، فقد نشهد تحوّل هذا الملفّ إلى ورقةٍ رابحة على طاولة الملفات المستعصية كتشكيل الحكومة وتقاسم مغانمها.
بأيدي جيرانه كما بأيدي أبنائه، هناك خطر وجوديّ يتهدّد العراق، وهناك رغبات ـ بعضها معلن ـ في جعل العراق أثراً بعد
عينٍ.
طبيعيّ أن يحدث هذا، وطبيعيّ أن ننتظر الأسوأ. البلاد التي ليس فيها كبير يدافع عنها ستظلّ متروكة ليقرّر مصيرها الكبار والصغار على السواء.