أحمد عبد الحسين
وأنتَ ترى إلى شابّ فلسطينيّ، ثائر سلميّ مثلك، يحمل الحجارة ضدّ جيش مدجج بالسلاح، أرجوك لا تقلْ أبداً: ما شأني به؛ لأنك حينها تقول ـ من دون أن تشعر ـ ما شأني بإنسانيتي.
أعرف أن من دافع عن فلسطين ـ لفظياً وعنتريات فارغة ـ هم أنفسهم مضطهدو شعوبهم، من صدام إلى الأسد والقذافي والمتأسلمين شيعة وسنة، وأعرف أيضاً أنك إذا أردت أن تسفّه قضية اخترْ لها محامياً تافهاً. ومحامو فلسطين الأعلى صوتاً كان أغلبهم كذبة ومدلّسين.
محنتنا ـ نحن العراقيين ـ مع فلسطين مثالٌ على ما يمكن أن تفعله بنا الهويّات التي هي غالباً أسماء سمّيناها نحن وآباؤنا. حتى الليبراليون، أو من تربلل حديثاً بفضل فيسبوك، يدرك أن الفلسطينيين مضطهدون منذ قرنٍ، مقموعون بآلة عقائدية خارجة من أرذل ما في الكتب الصفراء من حقدٍ على الناس والأرض. لكنْ لأنّ العقائد تملأ كلّ شيء فقد سدّت علينا منافذ الرؤية، وبسبب زيف عقيدة البعث كرهنا كلّ ما هتف به عن فلسطين، وبسبب تمجيد بعض الفلسطينيين للديكتاتور صدّقنا أن فلسطين مختومة بختم صدام.
تهنا في صحراء الهويات، ونسينا الإنسان الذي هو يدٌ ممدودة إلى إنسان آخر.
أية رضّة نفسية عميقة خرّبت ذواتنا بحيث جعلتْنا نرى في كلّ إنسان مجرد هويّةٍ ولا نرى دمه وحزنه وصراخه، ما الذي يجعلنا نكذّب حواسنا ونصدّق وهمنا المنتج للهويات؟
إذا أردتَ أن ترى الفلسطينيّ فانظرْ إليه وحده بلا اسم آخر يحفّ به، انظره وهو لا يزال يحمل مفتاح بيت جدّه، البيت الذي سرقه منه عقائديٌّ بلحية وقبّعة قبل قرن كامل، انظرْ إليه مظلوماً ومقموعاً ومضطهداً، ثائراً مثلك، وكلّ الإعلام موجّه لتشويه صورته، ومثلك أعزل ليس في يده إلا الحجارة أمام آلة رعبٍ جهنميّة.
أنت لستَ هويّتك، والفلسطينيّ ليس هويّته. الهوية قشرٌ لا أهمية له. إذا استطعت أن ترى الإنسان مجرداً فأنت المبصرُ ذو العينين.