كاسه ى داغ تر از آش!

العراق 2022/04/27
...

أحمد عبد الحسين
 
انتهتْ جولة المباحثات السعودية الإيرانية في بغداد وسط تفاؤل في أن تطوى صفحة الاحتراب البارد بين أكبر جارين للعراق.
طوال الشدّ الإعلاميّ الذي كان مستعراً بين الجانبين، كان المدوّنون العراقيون أكثر حماساً من السعوديين والإيرانيين في خوض حرب باسم الطائفيّة ونبش الماضي السحيق والقريب، والاستعداد للنيابة عنهما في أن يكونوا جنوداً بواسل في الحرب المقبلة التي لا يريد الطرفان أن تحدث. 
كانتْ كتابات العراقيين الأكثر حدّة وحواراتهم التلفزيونية الأعلى صوتاً ومن كان يقرؤهم أو يستمع إليهم يشعر كما لو أنهم كانوا يتمنون للحرب الباردة أن تصبح ساخنة. 
وبالمجمل كانت حراراتهم مرتفعة أكثر من أشقائنا السعوديين والإيرانيين، لكنْ نحن دائماً ينطبق علينا المثل الإيرانيّ الشهير «كاسه ى داغ تر از آش» يقابله المثل العراقيّ «الطاسة أحرّ من التشريب».
يمكن للعراق أن يكون مانعاً للصواعق، موقعه وتركيبته السكانية مثالية لأن يكون بيتاً آمناً للتفاوض، وسياساته، والنهج الديموقراطيّ الذي يترسخ ببطء يصلح لأنْ يجعله جامعاً للغرماء في المنطقة لا أحد الغرماء.
مكاسب العراق المستضيف أكبر من مكاسب الضيفين الكبيرين إنْ أحسنّا استغلال الدور الجديد لبلدنا، فإذا كانت خيارات بعض الدول ـ كإسرائيل مثلاً ـ تزدهر عادة في العواصف التي تضرب العلاقات الثنائية بين بلدان الإقليم ويكبر مجالهم الحيويّ في الفوضى واقتتال الجيران، فإنّ خيارات العراق على العكس تماماً لا يمكن لها أن تتحقق إلا في سلام شامل يعمّ المنطقة.
حين جلس المفاوض الإيرانيّ أمام السعوديّ لم يجرِ على لسانيهما حديث عن حقّ تطلبه العقيدةُ ولم يستحضرا نزاعاً من بطون كتب التاريخ، بل كان حديثاً بين رجلين مسؤولين يمثلان دولتين كبيرتين يريدان تسوية خلافٍ على الأرض وشؤونها لا على السماء وغيبها.
للعراق حصةٌ من الأمن وازدهار الاقتصاد في كلّ تقاربٍ سعودي إيرانيّ، ومن الحكمة أنْ نستغلّ حصتنا كاملة غير منقوصة، شرطَ أنْ نقرأ المشهد جيداً وأن نطلب من المدوّنين الأفذاذ التخفيف من حماسهم قليلاً، على الأقل لتتعادل حرارة الطاسة 
مع حرارة التشريب.