عبقرية الهرملة!

العراق 2022/05/07
...

أحمد عبد الحسين
 
البراعة في الكراهية يتقنها مَنْ لا يملكون حظاً من المسؤولية أو المعرفة أو حتى الذكاء. صناعة الحقد وتحفيز الناس على الاحتراب “عبقرية” الأغبياء والخاملين.
ففي السياسة كما في عركات الأزقّة، تجد رجلاً خاملاً لا أحد يأبه به في آخر القوم لا يملك إلا صوته الزاعق وطاقة كراهية غير محدودة، كلما هدأت النفوس أشعلها بكلمة مسمومة إلى أن تطيب نفسه وينشرح خاطره حين يرى دماء المتقاتلين تُسفك، ولن يكون من بينها دمه طبعاً فهو سيبقى في آخر القوم خاملاً لا أحد يأبه به.
في صفحات الموتورين من “الناشطين” تجد هذا الصوت الزاعق، دعوات صريحة لإدخال العراق في حروب، رسم خطط عسكرية لضرب الإمارات مثلاً بالصواريخ والمسيّرات، كما تجد آخر يروم استحداث “قادسية” ثالثة ضدّ إيران، ثم تجد من يصفّق للاثنين ويبارك لهما مساعيهما العبقرية لإشعال حرب تنقذنا من هذا السلام المملّ المضجر المزعج.
هذه حالات مَرضيّة، ربما كان التفكير بعواقب آثارها أكبر من قدرة أصحابها العقلية، لكنّ هناك أناساً يفترض أنهم مسؤولون نافذون يسلكون ذات المسلك الذي يقطرُ خطراً وانعدام ضمير.
نائب كويتيّ مخضرم “كان وزيراً سابقاً” دعا أمس إلى غلق كامل الحدود مع العراق بالصبّات الكونكريتية، وإلغاء التمثيل الدبلوماسيّ بين البلدين ونصب “بويات” بحرية تفصل مياههما عن بعضهما، وبالنتيجة دعا إلى كل الإعدادات التي تسبق حرباً بين بلدين.
أرأيتم كم هو الأمر سهل؟ سيقول المدافعون عنه أن حماسه ردّ على حماس نائب عراقيّ بصريّ دعا إلى نشر الحشد الشعبي على حدود الكويت وسيقول مناصرو الأخير إنه ردّ على قتل صيّاد عراقيّ، وسيقول الكويتيون إن القتيل لم يكن صياداً بل مهرباً. ويقال ويقال.
لكنّ كلّ ما يقال إنما يجب أن  يكون على طاولة يتحلق حولها دبلوماسيون وخبراء مسؤولون لا مشعلو حرائق انتهازيون.
على الأغلب لن تُغلق الحدود كما يتمنى النائب الكويتيّ ولن ينتشر الحشد كما يتمنى النائب العراقيّ، ولن تحدث حرب كما يتمنى الهرملةُ المعلقون، لكنْ قديماً قيل أن  قليلي الذكاء يبنون جدراناً، أما العباقرة فيبنون جسوراً. ويمكن أن يقال إن  فاقدي الإحساس بالمسؤولية يمكن أن  يشعلوا ناراً ويتركوا لذوي الضمير مهمة إطفائها، وهي مهمة عسيرة وليس لها مريدون كثر. فالأكثرية دائماً مع المتحمسين 
مشعلي الحرائق.