أحمد عبد الحسين
لا أعرف ما العوامل النفسيّة والجسدية والاجتماعية التي تحيق بالإنسان لتجعله جوجو، لكنّ هناك ظرفاً ضاغطاً ولا شكّ، عبئاً أكبر من الفرد ولا طاقة له على تحمّله يستسلم له أخيراً ليجد نفسه جوجو في محيطٍ كلُّ ما فيه يدعو إلى خلق جوجو لكنه يدعو إلى قتله في الوقت ذاته.
جوجو، لمن لا يعرفه، شابّ عراقيّ تحوّل إلى بنت، وهو في الحبس الآن بتهمة ابتزاز أشخاص نافذين في الدولة وفنانين وإعلاميين. لحظةُ القبض عليه صُوّرتْ باعتبارها لحظة بطولية، وشهدنا فنانين وفنانات عبّروا عن ابتهاجهم برؤيته في الحبس، ويبدو أنه يخفي أسراراً لا يراد لها أن تظهر، فقد رأيت له فيديو قديماً يتوعّد فيه ضباطاً كباراً «سأفضحكم واحداً واحداً» ويتحدث في فيديو آخر عن تجارة أعضاء بشرية وتجارة أجساد حيّة ويتوسل برجال دين أن يتدخلوا لإنقاذ شباب العراق وشاباته.
أغلب المتفاعلين في السوشيال ميديا التقطوا المفارقة في جسد جوجو، باعتباره كائناً هجيناً، شيئاً آخر غير الرجل وغير المرأة، والتعليقات من قبيل «هل وضعوه في حبس النساء أم في حبس الرجال؟» هي الرائجة الآن. أما السؤال عمّا يخفيه، أو عن الأنباء التي تقول إنّ قوّة مسلحة بسيارات بلا أرقام حاولت إخراجه من التوقيف، فتلك قصص مضجرة.
جوجو هجين، لكنه ليس أكثر هجنة من وضعنا الكافكويّ. رجل بجسد امرأة قادر على ابتزاز الجنسين الرجال والنساء معاً، ليس أكثر غرابة من متديّن مرتشٍ قادر على خداع المتدينين والمرتشين معاً، أو واعظ سارق قادر على اللعب مع الصالحين والحرامية، أو حزب دينيّ يستثمر في ملهى أو فصيل دينيّ يأخذ الأتاوات من البارات فهو يقدر أن يعطي ما لله لله وما لأبي نواس لأبي نواس. يبدو أنّ حشر كائنين متناقضين في جسد واحد ليس حكراً على الشابـ»ـة» الموقوفـ»ـة» في مركز شرطة الصالحية.
في الحقيقة فإنّ كل واحد من هؤلاء هو جوجو على طريقته. لأنّ وضع العراق يساعد كثيراً على أن يكون المرء جوجو، وفرة مال لا تأتي إلا حين تتحول إلى صرصار كافكا، وشهرة في مواقع التواصل ينالها من هو أكثر جوجوية من سواه.
حين يعجز الناطقون الكذبة باسم الرحمن عن إنتاج نموذج رحمانيّ، يتركون للشيطان أن يتفنن في إنتاج نماذجه التي ستكون مدهشة ومعبّرة بالتمام والكمال عمّا نحن فيه.