معادن أعماق المحيطات.. ثروة كبيرة أم كارثة بيئيَّة أخرى؟

علوم وتكنلوجيا 2022/05/10
...

  روبيرت نيتي
  ترجمة: أنيس الصفار
في مؤتمر عقد داخل قاعة للاجتماعات بلا نوافذ في {كناري وارف} جلس عشرات المدراء التنفيذيين في مجال التعدين، وممثلو مصارف ومسؤولون حكوميون يستمعون الى وعود برؤى فريدة من نوعها بشأن أسلوبٍ جديدٍ لتحقيق الأرباح من سباقٍ للبحث عن {الثروات} في أعماق البحار والمحيطات.
 
"الثروات" المنشودة هنا تقبع على عمق آلاف الأميال في قاع المحيط الهادئ. فهناك، وعلى عمق 4000 متر تحت سطح الماء، تم اكتشاف ترليونات من العقد المسماة "عقد المنغنيز" التي يبلغ حجم واحدتها حجم درنة البطاطس، وهي تحوي عناصر أرضيَّة نادرة سيكون لها دورٌ بالغ الحيويَّة في تغذيَّة متطلبات الجيل المقبل من السيارات الكهربائيَّة.
تأمل شركات التعدين أنْ يتمَّ إقرار القواعد العالميَّة التي تسمح بالتعدين في أعماق البحار بمقياس صناعي لجمع هذا الصيد الثمين في مطلع شهر تموز 2023، بيد أنَّ دعاة حماية البيئة يحذرون من أنَّ التنقيب عن تلك المعادن سيكون فعلاً "خطيراً" و"طائشاً" حسب تعبيرهم لأنه سيتسبب بأضرارٍ لا رجعة فيها لأنظمة بيئيَّة لا يعرف عنها حتى الآن إلا القليل. يشير أحد التقديرات الى أنَّ 90 بالمئة من أنواع الكائنات التي يصادفها الباحثون في أعماق البحار جديدة على العلم.
تنتقد "لويزا كاسون"، وهي ناشطة في منظمة السلام الأخضر، عالم الصناعة لعقده المؤتمر المذكور وكذلك المصارف بسبب تطلعها للاستثمار في هذه المشاريع التي تصفها بأنها "خطيرة ولا ضرورة لها" سعياً وراء الكسب السريع.
تقول كاسون: "هذه الصناعة الجديدة المدمرة تريد تمزيق نظام بيئي لم نبدأ بفهمه إلا حديثاً. إنهم يهدفون الى تحقيق الكسب السريع وجعل محيطاتنا ومليارات البشر الذين يعتمدون عليها يتحملون الثمن."
اكتشفت العقد المذكورة في منطقة "كلاريون كلبرتون"، ما بين هاواي والمسكيك، لأول مرة على يد طاقم السفينة الحربيَّة البريطانيَّة "تشالنجر" في العام 1875، ولكنَّ التنقيب عن المعادن على نطاق واسع لم يصبح ممكناً إلا بعد التطورات الحديثة في المعدات الروبوتيَّة القادرة على العمل تحت الماء.
 
استعدادات للانطلاق
منحت المنظمة التابعة للأمم المتحدة (المشرفة على هذه الصناعة الجديدة المثيرة للجدل) الشركات تراخيص لاستكشاف المنطقة المذكورة، لكنَّ التنقيب واسع النطاق لم يبدأ بعد. هذا كله قد يتغير قريباً حيث شرعت الدولة الجزيرة "ناورو" في المحيط الهادئ ما أطلق عليه "قاعدة العامين" التي تمهل "السلطة الدوليَّة لقيعان البحار" مدة عامين لوضع التنظيمات المتحكمة بالصناعة موضع التنفيذ. هذه القاعدة حددت موعداً نهائياً لخارطة طريق سوف تعتمد بحلول 9 تموز 2023. 
(ملاحظة: السلطة الدوليَّة لقيعان البحار هي هيئة حكوميَّة دوليَّة مقرها جامايكا أنشأتها اتفاقيَّة الأمم المتحدة لقانون البحار، ومهمتها مراقبة جميع الأنشطة المتعلقة بالتعدين في مناطق قيعان البحار الدوليَّة خارج حدود الولاية الوطنيَّة، وهي منطقة تشمل معظم محيطات العالم – (المترجم).
"السباق الى ثروات الأعماق سوف يغير قواعد اللعبة، فبعد سنتين من المفاوضات والبدايات الزائفة ها هو التعدين في أعماق البحار يوشك على تحقيق الاختراق .. هذا هو ما يقوله الإعلان لـ"مؤتمر قمة التنقيب في أعماق البحار 2022" في فندق "هلتون لندن" بحي "كناري وارف" في العاصمة، وهو الحدث الذي استغرق يومين ودفع كل مندوب راغب مبلغ 1195 جنيهاً استرلينياً لحضوره.
يمضي الإعلان: "مع دخولنا عصر التعدين في قيعان المحيطات العميقة، وهي أقصى البيئات بعداً في العالم، تعمل شركات التعدين على تذليل التحديات المتصورة في حين ترقب الدول الجزائريَّة النامية ما يدور باهتمامٍ شديد. فمع تزايد الطلب على المعادن الأساسيَّة والعناصر الى حدودٍ تتخطى قدرة الأرض على إجابته يأتي التطور الذي أنجزته التكنولوجيا والمقدرة الفنيَّة ليساعدا على دفع هذه الصناعة الجديدة قدماً."
في المؤتمر تحدث "دانييل وايلد" المستشار الاقتصادي لأمانة الكومنولث في شؤون المحيطات، التي تمثل ناورو والعديد من الدول الجزائريَّة الصغيرة الأخرى المتلهفة للبدء بأعمال التعدين في قيعان البحار، فقال إنَّه يتوقع من "السلطة الدوليَّة لقيعان البحار" أنْ توافق على نظام دفعٍ يتيح لشركات التنقيب صافي أرباح مقداره 17,5 بالمئة بعد استقطاع الضرائب.
بيد أنَّه حذر الحاضرين من أنَّ موعد العامين يبدو ضيقاً للغايَّة وما لم يتم التوصل الى اتفاق فسوف تكون هناك أسئلة بشأن ما سيحدث بعد ذلك.
 
بين التحذير والتحفظ والترحيب
يقول "إيب هارتز" وهو جيولوجي يعمل في "آكر بي بي"، وهي شركة نرويجيَّة متخصصة بالتنقيب عن النفط مملوكة جزئياً لشركة "برتش بتروليوم"، إنَّ التنقيب عن المعادن في قاع البحر قد يتخطى التنقيب عن النفط في نهاية المطاف، ولكنْ مكمن المشكلة سيتمثل في العثور على تلك المعادن لأننا لا نملك بيانات وافية، على حد تعبيره.
يضيف هارتز أنَّ جمع البيانات بواسطة الآلات سيكون جانباً أساسياً في إنجاح التعدين في قاع البحر، وسوف يضمن لنا تجنب العودة لارتكاب جميع الأخطاء التي سبق لنا ارتكابها في زمن البحث عن الهايدروكربونات.
تقول "إليانور مارتن"، وهي شريك في شركة "نورتون روز فلبرايت" القانونيَّة التي تقدم الاستشارة للمصارف بشأن تمويل المشاريع البحريَّة، إنَّ المصارف العالميَّة "شديدة اللهفة" للاستثمار في مشاريع التعدين في أعماق البحر، إذ تضع في منظارها استمرار التصاعد الشاهق في تكاليف معدني الليثيوم والكوبالت اللازمين لإنتاج بطاريات السيارات 
الكهربائيَّة. 
تقول مارتن: "من أجل إنتاج الأعداد المطلوبة من السيارات الكهربائيَّة سوف نحتاج الى المزيد والمزيد من هذه المعادن."
تضيف مارتن: "المصارف اليوم تجلس فوق خزينٍ ضخمٍ من الأموال الخضراء". في إشارة الى الأموال المخصصة للمشاريع التي تستهدف معالجة أزمة المناخ.
لكنَّ "كاترين ريس توماس" التي تشغل منصب أستاذ قانون مساعد من جامعة لندن تحذر أصحاب هذه الصناعة بأنَّهم سيترتب عليهم بذل المزيد من الجهود لكسب الرأي العام قبل التخطيط لبدء التعدين في المحيطات.
تقول توماس: "سيكون هناك صراعٌ صعبٌ بين من يقولون إننا لا يجوز لنا القيام بهذا الأمر والآخرين الذين يقولون إنَّنا بحاجة لاستغلال هذه الموارد من أجل معالجة مشكلة التغير المناخي على الأرض."
تقول كاسون، من منظمة السلام الأخضر: "ما من حاجة على الاطلاق للتنقيب في اعماق المحيطات والتسبب بمزيد من الأذى لكوكبنا، لقد سرّنا أنْ نرى كيف رفض اللاعبون الكبار في قطاعي صناعة السيارات الكهربائيَّة والتكنولوجيا، مثل مايكروسوفت وغوغل وفولفو و"بي أم دبليو" وسامسونغ، "الطلاء الأخضر" الذي تحاول شركات التعدين في أعماق البحار أنْ تموه به نشاطاتها وتعهدهم بالامتناع عن استخدام المعادن المستخرجة من أعماق البحر في منتجاتهم."
تمضي كاسون محذرة: "يجب ان تتوقف هذه الصناعة الناشئة من قبل ان تبدأ. نحن بحاجة للتحول صوب اقتصاد أكثر اعتماداً على التدوير يقل فيه التبديد وتزداد إعادة الاستعمال بدلاً من محاولة تدمير إحدى آخر البراري العظيمة الحرة المتبقيَّة على وجه كوكبنا في قيعان المحيطات باسم الربح."
عن صحيفة الغارديان