علي حسن الفواز
الرهان على التأريخ قد يحمل معه رهانات أخرى، تدخل في حسابات السياسة، وفي استدعاء الذاكرة، وصناعة رأيٍ عام، يعزز خيارات الثقة بفكرة النصر، ومواجهة تداعيات ما تصنعه الحرب، وهذا مابدا واضحاً في خطاب الرئيس فلاديمير بوتين خلال العرض العسكري لمناسبة الذكرى السابعة والسبعين على انتصار الاتحاد السوفيتي السابق على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية..
توظيف السياسي في هذا الخطاب يستبطن واقعاً جديداً تعيشه روسيا، إذ تُشكّل الحرب في أوكرانيا تهديداً للأمن القومي الروسي، ولمصالحها في السياسة والاقتصاد، وهذا جعل خطاب الرئيس بوتين مفتوحاً على مقاربات التوصيف العسكري، مع مقاربات السياسة، فهو يدعو إلى اليقظة، وإلى الثقة بالخيار الروسي، لقطع الطريق على عودة النازية، و" لضمان عدم عودة تكرار أهوال الحرب العالمية الثانية" حيث فقد "السوفيت" أكثر من عشرين مليون قتيلاً..
حساب الحقل الروسي في هذه الحرب، يواجه حسابات مضادة، يصنعها الغرب، ويرسم لها بيادر مختلفة، إذ يعمل على توحيد سياسات الغرب بمواجهة أي طموح روسي، لفرض وجود أقطاب جديدة في الساحة الدولية، ولتحويل موضوع سيطرة روسيا على القرم والدونباس إلى موضوع لفرض السيادة الروسية من جانب، ولمنع أي طموح أوكراني للانضمام إلى حلف الناتو، وبالتالي منع عسكرة الحدود الغربية والجنوبية مع روسيا من جانب آخر..
يقول الرئيس بوتين في خطابه :" إن روسيا قد تصدت للعدوان بصورة استباقية، وقد كان ذلك هو القرار الصائب الوحيد" لمنع أي عدوان قد يَقدِم عليه الغرب، من خلال الحلفاء، أو من خلال توزيع الأسلحة النووية في أراضيهم، وهو ما لا تقبله روسيا، وتجد فيه تهديداً قومياً، وستراتيجياً، وحصاراً اقتصاديا وعسكريا عليها..
تبرير الرئيس بوتين للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، يجدها الغرب بأنها عملية غزو، وهو ما دعا الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الاوربي إلى فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، وإلى عسكرة الحدود الأوكرانية، دون التورط في إشعال حرب عالمية مع روسيا، يمكن أن تضع العالم عند حافة حرب عالمية ثالثة، قد تدفع إلى استخدام السلاح الستراتيجي والسلاح النووي..