حول المسألة الدينيَّة

آراء 2022/05/11
...

 علي المرهج
الدين هو الصلة الروحية بعلَة الكون أو مُسبب الأسباب، ولا تتحقق هذه الصلة من دون ممارسات طقوسية شكلية ولكن الغاية منها تحقيق تلك الصلة الروحية، لذلك فهذه الممارسات الطقوسية هي الجانب العرضي لا الجوهري للدين، أو يُمكن القول إنها (التدين) الذي قد يبعدنا عن الإدراك الجوهري للدين. يبدو لي في مجتمعاتنا المنغمسة في (التدين) لا في (الدين) تظهر هذه الممارسات جلَية وواضحة.
 علي المرهج
 
أذكر بهذا الصدد رواية عن (شجرة بوذا)، حينما تمَّ له الكشف وهو نائم تحتها، وقد سُميت في ما بعد (شجرة العلم)، وقد حظيت بقدسية عالية عند البوذيين، فعمل البوذيون على زراعة شجرة من نوعها في كل بلد يعيشون فيه، ليحجوا إليها والتبرك بها، فعلق (ويلز) صاحب كتاب (معالم تاريخ الإنسانية) بالقول:
“ومن سوء الحظ تلاميذ جوتاما (بوذا) أنهم عنوا بحفظ شجرته أكثر من عنايتهم بالحفاظ على أفكاره، التي أساؤوا منذ البداية فهمها وشوَهوها 
ومسخوها”.
يُفرق جون دوي بين الدين والتدين، فالدين قوة عليا غير منظورة، مصدرها الغيب، ولا سبيل لنا لمعرفته، وأغلب الناس يعيشون تجاربهم الدينية، وكل منهم يؤدي الطقوس والشعائر الدينية بحسسب فهمه، لذا يتحول الدين إلى ظاهرة اجتماعية، وكل إنسان يولد في مجتمع ما يكتسب طقوس هذه 
الجماعة.
قد يقترب جون دوي في معالجته للمسألة الدينية من وليم جيمس رغم قربه في كثير من قضايا العلم ومعالجات مشكلات الواقع من جارلس بيرس، لأنه ينظر للدين بوصفه (فكرة) هادية بحسب اعتقاد الفرد بها، فهي ليست حقا ولا باطلا وفق رؤى مثالية مطلقة، إنما الذي يُحدد صدقها هو السلوك الذي يُكسبه الفرد أزاء الفكر، فكل سلوك يرتبط بفكر يُحدد لنا موقف اتجاه العالم والحياة والمجتمع إنما هما سلوك وفكر 
صادقين.
ميز بعض المفكرين مثل الوردي وعلي شريعتي والصادق النيهوم بين الدين الثوري الذي يهبنا الكرامة والإباء ويمنح معتنقيه مساحة من الحرية لممارسة النقد والشعور بالمسؤولية، فتجد المؤمن فيه واعياً لتحولات الحياة يستلهم وعيه الحر من إيمانه الذي لا يستحسن المؤمن (العاقل) معناه من دون تساؤل فيه بعض تماد وخروج عن مهيمنات السائد والوعي 
(المحافظ).
الدين الثوري نزوع الأحرار نحو الوعي بذواتهم كأناس يتعقلون الوجود، رافضين كل مقولات “الروزخونيين” الساعين بكد مقولي وخطابي لترويض العقل وتحجيم 
دوره.
كل حركة ثورية تصحيحية وإن لم يتقبلها المحافظون الفاسدون هي نبتة وعي يفرح بها دعاة الدين الثوري، ويخشى منها دعاة الدين التبريري أو 
الأفيوني.
كل حركة ثورية إنما يخرج أصحابها لشدة معاناة وكبت وفساد كان سببه دعاة الدين التبريري
 (الأفيوني).
ليس شرطاً أن يكون من يدعون انتساباً للدين (اللاهوتي) التوحيدي بمجرد دعواهم وتخرصاتهم في التبني لهذا الدين أنهم من أتباعهم الصالحين، كما يؤكد نوري جعفر، بل ربما ـ يكونون من الكذابين والأفاقين يدعون شرفاً ليس فيهم لأنهم يعملون بكل ما أوتيوا من سوء الفهم وخلط المفاهيم على خداع بسطاء الناس، ليجعلوا منهم تابعين يحذون حذوهم لا لدرية وتعقل، بل لأنهم يُجيدون خداعهم، فتجد الفالي وباسم الكربلائي مثلاً يعتاشان على مصاب الإمام الحُسين ويكسبان من مقتله أكثر مما كسب يزيد.
إنه “الدين الأفيوني” بتعبير (شريعتي) أو “الدين الكهاني بتعبير (علي 
الوردي). 
إنه دين كل غاية صحبه والتابعين، جعل الناس يسيرون على هدي من يدعون معرفة بالدين المخادعين الذين هادنوا السلطة، فهيمنوا وأجادوا خداع بسطاء الناس، فتجد أغلبهم فقراء لا كسب لهم ولا ناقة ولا جمل.
الدين الثوري الأصل فيه الرفض والاعتراض بوصفهما قيمتين للحرية، ولكن شيوع الدين التبريري (الطقوسي) قلل من مقبولية الدين الثوري وحضوره في الحياة الاجتماعية!.
الدين الثوري وليد الوعي العقلاني المعارض، بينما الدين التبريري مكمن شيوع التقديس والأسطرة بلا لماذا 
وكيف!.