في ظلّ زيتونة

العراق 2022/05/12
...

أحمد عبد الحسين
أمس ذكّرنا دمُ الزميلة شيرين أبو عاقلة بفلسطين من جديد، ويا لفلسطين التي لا تعود إلى الذاكرة إلا بدم. ذكّرنا دم شيرين بالصفقة التي سُرقتْ بها فلسطين من أهلها من قبل لصوص عقائديين، وبالإعدادات التي تلتْ تلك السرقة؛ وهي إعدادات سياسية وإعلامية لم تنجحْ في التعمية على فعل السرقة وحسب، بل فعلتْ أكثر من ذلك، أقنعتْ كثيراً من آبائنا بأن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم، وهي أشهر شائعةٍ صدّقها الناس قبل اختراع فيسبوك الذي أصبح مختصاً بتحويل الشائعات إلى حقائق، ثم أُقنِع الجيل اللاحق بأنّ نسيان القضية أهون من محاربة إسرائيل “الأسطورية”، وصولاً إلى تلقين الجيل العربيّ الحالي بضرورة الالتفاف على ضميره والقول إن قضايانا أهمّ من الانشغال بقضية عتيقة كفلسطين.
كلّ تلك الإعدادات لا يقدر عليها إلا شيطان. نعم هذا عمل شيطانيّ. 
إسرائيل أسستْ بحمولة دينية عقائدية مستلّة من أحقر ما في الكتب الصفراء من حقد على البشرية جميعاً ولا ترى إلا عرقاً واحداً له حقّ أن يتنفس هواء هذا العالم. هذه حقيقة لن تنسيني إياها كلّ شياطين الكون وإعلامه ومطبعيه. وليس الأمر متعلقاً بالسياسة هنا. الأمر أبعد وأنبل وأشرف ويمسّ الروح الإنسانيّ. أنا أتحدث عن فلسطين باعتبارها امتحاناً كبيراً لإنسانيتنا، واختباراً لضميرنا، لنعرف هل مات أم لم يزل به نبض حياة.
أعدمت شيرين أمام العالم في بثّ حيّ تحت شجرة زيتون، وكم هو غريب مقدار الإيحاء والرمزية في هذه الجريمة الصهيونيّة الجديدة. لكنْ لفتتْ انتباهي تعليقات شبّان عراقيين مؤداها أن قضيتنا أهمّ من الانشغال بقضايا الآخرين “إحدى شائعات فيسبوك” وهو منطق لا أفهمه حقاً، هل سينضب مخزون الضمير إذا استعملناه لنصرة قضية كلّ ما فيها واضح بيّن منكشف: القاتل والقتيل وطريقة القتل؟.
مشهد إعدام شيرين مع قنابل فيسبوك الدخانية التي تريد التعمية على شيرين وفلسطين معاً، سيعيد عليّ بالتأكيد مشهد أخوتنا وزملائنا الذين أعدموا بدم بارد، نستذكر الزميل أحمد عبد الصمد الذي لا يقلّ شجاعة ومهنيّة عن زميلته الفلسطينية التي رحلتْ أمس. 
القاتل هنا وهناك يخدمان شيطاناً واحداً مهما ادعيا الاختلاف والعداء. والقتيل هنا وهناك واحد مهما أرادتْ الشائعات أن تفرّق بينهما.
والعراق كفلسطين، لا يعود إلى الذاكرة إلا في مشهد مليء بالدم.