عمر الناصر
لا أجد أن المرحلة المقبلة ستُحدِث تغييرا نوعيا وجذريا كا لذي يرتئيه المواطن، ولا أجد أيَّ اختلاف في طرح المشاريع والأفكار والأهداف الواقعية، الا ما ندر لأن اغلبها لا ترتقي لأقل من مستوى الطموح، لكونها تتناغم مع مزاج طبقة معينة من الجمهور وتختلف مع الطبقة الأخرى، لأن الخلفية السياسية والأيديولوجية للكثير منها هي عبارة عن نسخة وندوز XP كلاسيكية تتخذ برنامجاً ومساراً ولوناً واحدا لم يطرأ عليها اي نوع من التحسينات او التحديث، ولم تلعب عوامل الزمن والتجارب السياسية دوراً كبيراً في اجراء اي تغيير ملموس، بسبب احتوائها على اكبر قدر ممكن من المذاقات الشعبية او السياسية، سعياً لجذبها وصهرها في بوتقة واحدة، لكي تلبي طموح اكبر قدر ممكن من المؤيدين كتمهيد للحصول على الدعم والتأييد المطلق..
ربما يقول البعض إن البيت الشيعي أصبح اليوم كبيت العنكبوت من أوهن البيوت، وأنا أقول على العكس إن هذه المرحلة ربما تكون كبوة مؤقتة وليست انتكاسة للقرار السياسي الشيعي قبل اعادة ترميمه بصورة تدريجية، من أجل الانطلاق بستراتيجية وفكر وأيديولوجيا جديدة تناغم تطلعات الجمهور، غير التي جيء بها بعد التغيير، ايمانا بالمراجعة وإعادة التقييم لجميع الهفوات والأخطاء والتلكؤات، التي أصابت نخاع عظم القرارات المصيرية الخاصة بهم، والتي اصبحت اليوم هي بيد شيوخ السياسة الذين دخلوا العملية السياسية بكامل إناقتهم ولباقتهم.
اول مكوّن تعرض للانشقاق وغياب توحيد القرار السياسي بعد عام 2003 هو البيت السني نتيجة عدم مشاركته في أول انتخابات تشريعية جرت، ونتيجة عدم انخراطه في الجيش ومؤسسات الدولة، لكنه سرعان ما تعلّم وهضم الدرس بصورة جيدة، وبدأ يرفض الشارع السني قياداته الطائفية المستهلكة التي رقصت “رقصة زوربا” على معاناته واوجاعه باستغلال ورقة المغيبين والتهميش والإقصاء، ليكون بعدها انكفاء سياسي داخلي على انفسهم واختفائهم من المشهد السياسي الحالي، لكن يبدو أن فيروس التفرقة والاختلافات السياسية بدأ ينتشر بشكل غير مسبوق داخل البيوتات الشيعية والكردية، فهنالك رأي من الجمهور يفسر الاتهامات الموجهة لأربيل بشق عصا البيت الشيعي بأنه امر مبالغ به، ورأي آخر يرجح ان تكون الاتهامات نفسها هي من فككت البيت الكردي، الذي حافظ على تحقيق منجزات ومكاسب كبيرة وبسط قراره الموحد في القضايا المصيرية تجاه بغداد منذ عام 1991، لكن العملية ليست بهذا الشكل على الاطلاق، فحسب تحليلي الشخصي أرى بأن البيت العراقي هو متشظٍ سلفاً بعد أن تمت عملية الاستفتاء على الدستور، وأن جميع التحالفات لم تكن متماسكة وليست ستراتيجية لها ابعاد مستدامة، بل إنها لم تستند الى معايير وأسس ورؤى واضحة، بسبب غياب المشتركات نتيجة وجود عوامل التعرية المحلية، والتي تمت تغذيتها من قبل بعض الدول الاقليمية نتيجة الظروف التي كانت محيطة بالعملية السياسية، بسبب خوفهم من شبح تجربة الديموقراطية، وخوفاً من وصوله تداعياتها لبلدانهم، منها تنامي خطر التكفير والارهاب وتأثير العامل الطائفي والعنصري المؤثر بالساحة الداخلية، ما جعل العراق بيئة رخوة وحاضنا جيدا لصراع القوى الدولية.