الوجه الآخر للأزمة

الصفحة الاخيرة 2022/05/14
...

جواد علي كسار
هدر الطعام كارثة في العالم يكفينا لإدراك عمقها أن نعرف أن ما يُهدر منه سنوياً في العالم برمته، يكفي لإطعام (800) مليون إنسان يومياً، ولو تمّ ذلك لتلاشت مشكلة المجاعة وقلة الطعام، أو كادت، وفي تقرير للمنظمة العالمية للأغذية (الفاو) أفاد أن قيمة ما يُهدر من الأطعمة هي (400) مليار دولار سنوياً، لاسيما في الدول النامية.
أعرف أن العالم دون استثناء أو تمييز بين بلدانه الغنية والفقيرة، يعيش بالعمق أزمة هدر الأطعمة والأشربة، لكن أن تأتي أرقام هذه الظاهرة أكبر في العالم الإسلامي، فهذه هي المشكلة، وإليكم مؤشرات سريعة لبعض الأمثلة.
تفيد التقارير إن تركيا تشهد هدر (4,9) مليون قطعة خبز يومياً، وهو ما يعادل (19) مليون طن غذاء سنوياً، أو (845) مليون دولار. لكي ندرك عمق الفاجعة في هذا الرقم وحده، فإن قيمة المبالغ التي يخسرها البلد نتيجة ذلك تعادل تكلفة بناء (300) مدرسة سنوياً، أو هو ما يساوي تكلفة قطار استانبول.
في بلد آخر كالجمهورية الإسلامية؛ يُمارس الحكم فيه على أساس القيمومة الدينية، تفيد التقارير المختصة أن إيران قادرة من خلال الإدارة العلمية السليمة للاقتصاد، على توفير ما يحتاج إليه (500) مليون إنسان من الطعام، لكنها فعلاً لا تُنتج إلا ما يُلبي حاجة (50) مليون فقط.
مع ذلك فالمشكلة ليست هنا، بل في الأرقام التي تُفيد هدر (35) مليون طن من الطعام في هذا البلد، مقابل (90) مليون طن لدول الاتحاد الأوروبي، المكوّن من (27) دولة، وإن ما يهدر من الخبز يومياً في إيران، يزداد (6) مرات على ما يهدر منه في أوروبا، ما يعني ببساطة أن الأنموذج القيمي الذي تقوم عليه التجربة، أصبح أمام تحدّيات صعبة! 
ففي تقرير نشرته على صدر صفحتها الأولى، بعنوان مثير: «نصف عائدات النفط الإيراني إلى صناديق القمامة!» تحدثت صحيفة «صبح امروز» عن أن قيمة الطعام المهدور تبلغ (15) مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل تقريباً نصف صادرات النفط الإيراني، في الأوضاع الطبيعية (صبح امروز، 19 أيلول 2021م).
حقيقة الأمر، أن الغذاء والخبز منه في الطليعة، تحوّل إلى قضية مثيرة في العالم كله، قد تنقلب إلى مشكلة ثم إلى أزمة، وبلادنا لا تشذ عن ذلك. لا أريد أن أمحو صورة المسألة، بتغيير نقطة الارتكاز من موقع إلى آخر، فلست سياسياً يخشى على موقع، ولا أنتفع شيئاً من هذا التغيير؛ بنقل المسؤولية أو توزيعها على نحو أدق، بين السلطة والناس، لكن هذه هي الحقيقة. فإنتاج الأطعمة والأشربة، وتوفيرها هي مسؤولية الدولة بلا شك، لكن هذا لا يعفينا عن ترشيد الاستهلاك وتقليل الإسراف والهدر، وهو شائع كثيراً في سلوكنا، لا سيما أن من صميم تراثنا؛ أن التدبير نصف المعيشة.