أحمد عبد الحسين
حسمت المحكمة الاتحادية النزاع بشأن "قانون الأمن الغذائيّ" وحكمت بعدم دستوريته. برغم أن المدافعين عنه من النوّاب كانوا في الأيام القليلة الماضية متفائلين بسهولة تمريره إثر أنباء أشارت إلى أن كثيراً من القوى التي عارضته تراجعت عن موقفها وصارت أكثر تقبّلاً له بدليل أنها قدّمتْ اقتراحات لتعديله. وبحسب النائب الأول لرئيس مجلس النوّاب حاكم الزاملي فقد كان هناك انفتاح على سماع الآراء والتعاطي مع التعديلات بإيجابية.
كلّ ذلك ولّد شعوراً مؤداه أن القانون ماضٍ إلى إقراره بسلاسة، مع أن النقود التي جوبه بها كثيرة ومنها أنّ القانون يتضمن مبلغاً كبيراً يتجاوز 35 ترليون دينار من دون آلية واضحة لصرفه، كما أن بعض فقراته تشي بعدم اقتصاره على الدعم الطارئ ـ وهو الهدف المعلن منه ـ بل تتجاوز ذلك إلى مشاريع ستراتيجية مستقبلية. لكنّ أكثر النقود وجاهة هو ما كان متعلقاّ بالقروض الداخلية والخارجية التي يرى نوّاب "التنسيقي" أنها تكبّل اقتصاد العراق بقيود هو في غنى عنها.
أتى حكم الاتحادية حسماً لجدل الفريقين، وأنهى النزاع بين من يعدد مزايا القانون وإيجابياته وبين من يشهر جردة بمساوئه، ليقول بأن أصل المعضلة ليس في تفاصيله بل في دستوريته.
من الواضح أنّ النزاع حول القانون هو رجع صدى لنزاع أكبر سياسيّ متمثّل في الصراع بين "الثلاثيّ" و"التنسيقيّ"، وقد كشفت تصريحات زعماء الكتل خلال الأيام الماضية عن طبيعة تأثير الشدّ والجذب السياسيين في مواقف كلّ منهم بشأن القانون. رئيس دولة القانون نوري المالكي أوجز موقف التنسيقيّ بأن "المطلب الذي من أجله صيغ القانون مطلب مشروع على أن لا يكون ذلك مدعاة لمخالفات دستورية"، واقترح بدلاً من ذلك استخدام مبدأ السلف من وزارة المالية لتغطية نفقات تأمين المواد الغذائية الأساسية. بينما رأى نوّاب في "الثلاثي" أن المبالغ الطائلة التي تحققت للبلاد جراء ارتفاع سعر النفط، يمكن إنفاقها وفق أبواب صرف قانونية، والقانون سيحقق تلك الصلاحية لحكومة تصريف الأعمال.
مراقبون عدّوا قرار المحكمة انتصاراً للرؤية التي يمثلها نوّاب "التنسيقي" ورجحوا أن تُستَثمَر في حراكهم الرامي لإقناع التيار الصدري بالعودة إلى التوافق من جديد. آخرون مقربون من "التيار" أشاروا إلى أن الظرف الصعب الذي يمر به البلد، وكون القانون مرحلياً ويتوافق مع حكومة تصريف الإعمال، يفيد بأن الأمر يستحقّ زيارة جديدة للمحكمة الاتحادية.