أحمد عبد الحسين
اليوم ذكرى تأسيس جريدتنا «الصباح».
في أوّل يومٍ عدتُ فيه إلى العراق، بعد اغتراب عقدين تقريباً، ذهبتُ إلى مقرّ «الصباح» لأزور رئيس تحريرها صديقي الشاعر جمعة الحلفيّ «رحمه الله» الذي تشاركتُ وإياه سنوات منفى طويل في دمشق. وبعد أن عرف أني تركت كندا نهائياً وقررت الاستقرار في وطني حتى يأخذ الله أمانته، عرضَ عليّ العمل محرراً لصفحة آراء، ومن يومها ابتدأتْ رحلتي المتعبة اللذيذة في هذه الصحيفة التي أحبّ.
كان ذلك في أيلول 2005، حين كانت كبيرةً آمالنا بعراق معافى من أمراض الديكتاتورية، وحين كان الدفاع عن حريّة الرأي بحاجة إلى تأسيس وتضحيات وخسائر، لأنّ تلك الثقافة لم تُستنبَتْ بعدُ في أرضنا، وكنا نُجابَه من قوتين اثنتين: الأولى التي تخوّننا لأننا نعمل في جريدة رسمية «تحت حراب الاحتلال آنذاك» وقوامها مثقفون أغلبهم خارج العراق، والثانية: شخصيّات إعلامية ـ بعضها نافذ ـ يريدون جعل الصباح ملكاً للحكومة وللأحزاب المتنفذة. والقوة الأخيرة هي الأخطر لأنها تفرغ العمل الصحفيّ من معناه وتخلق تقاليد مرَضَية شاذة تجعل من الصحفيّ كائناً خائفاً من قول كلمته ما لم ترضِ صاحب الأمر!
عملتُ في الصباح محرراً لآراء، ثم محرراً للثقافة ثم مسؤولاً للملحق الثقافيّ فسكرتيراً للتحرير. وتعرضتُ للفصلِ المتعسّف منها مراراً بسبب مقالات كتبتها ومواقف اتخذتها، وها أنا أرأس تحريرها بمسؤوليةٍ مضاعَفة وواجب تمليه عليَّ المهنيةُ والضميرُ في أن تستمرّ «الصباح» صحيفة العراق الأولى والمعبرة عن هموم المواطنين.
مرّت «الصباح» بفترات مدّ وجزر في علاقتها بالسلطات. فكلٌّ يريدها له خالصة من دون الناس، لكنّ وضع الصباح باعتبارها جريدة الدولة يأبى لها أن تكون برسم خدمة أحدٍ سوى الدولة. ولذا فإنّ طرائق الحفاظ على هذه الهويّة كانتْ شاقّة للغاية، نجح بها البعض وأخفق آخرون، وأرجو أن أكون من الناجحين.
الآن، في ظل انحسار الصحافة المطبوعة، تكافح «الصباح» على جبهتين: استمرار خدمتها لشريحة القرّاء «ورقياً وإلكترونياً» بسويّة فنيّة نسعى لأن تكون عالية، ومحافظتها على الهدف الذي من أجله تأسستْ، أعني أن تكون صحيفة دولة لا صحيفة حكومة أو حزب.
في عيد تأسيسها، ينبغي أن نحيّي كلّ من أدام مسيرتها، نخصّ بالذكر أولاً الزملاء الشهداء الذين قطفتْ زهرات أرواحهم قوى الإرهاب والظلام، والمختطفين الذين لم يزلْ مصيرهم مجهولاً كالزميل العزيز توفيق التميمي، ونحيّي رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على إدامة مسيرتها بإخلاصٍ، ونخص بالذكر رئيسَيْ تحريرٍ راحلين هما الزميلان إسماعيل زاير وجمعة الحلفيّ.
«الصباح» صباح العراقيين ولن تكون في خدمة أحدٍ سواهم.