خالد خليل هويدي
سأستعير من اللسانيات هنا هذه الثنائية التي يركز عليها اللغويون؛ بوصفها ثنائية تحاول مقاربة اللغة؛ بغية الكشف عن طريقة مثلى لدراستها. فلا يكفي بحسب رأيهم الاتكاء على الشكل وحده أو الوظيفة وحدها في دراسة اللغة، بل يشترطون التكامل بين الأمرين: فالشكل يساعد في تحديد الكلمة وانتمائها، ووظيفتها تحدد معناها الاستعمالي الذي يجب أن تؤديه بطريقة تتناغم مع شكلها، وفي حال التركيز على الشكل اللغوي وإهمال الوظيفة التي يجب أن يؤديها فإننا لا ننجح في تقديم تصور دقيق للغة.
ونجد في فنّ العمارة مبدأ مهمًا يتلخص بفرضية أن الشكل يتبع الوظيفة، وهو مبدأ سارت عليه اللسانيات الوظيفية، التي أكّدت هذه التبعية، التي لا يمكن الابتعاد عنها، في عملية التأسيس
اللساني.
يمكننا استعارة هذا التصور للغة والعمارة لبيان مدى حضوره في الدولة، فإذا كانت اللغة تبعًا لدي سوسير مؤسسةً تقوم على نظام، وكذا الحال مع العمارة ، فلا شكّ في أن فكرة النظام تحضر بالضرورة عند الحديث عن الدولة، فهي تقوم على نظام تحكمه أسس محددة.
وتأسيسًا على ما تقدّم يمكن تفسير نجاح الدولة أو فشلها في مدى تحقق هذا الانسجام، أعني وجود علاقة متوازنة بين الشكل والوظيفة.
ففشل الدولة يمكن إرجاعه إلى عدم التوفيق بين(الشكل والوظيفة).
فقد تجد الأشكال التي تشير إلى كل الملامح الرسمية للدولة، من قبيل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والموظفين والأبنية والسياقات الإدارية الروتينية وأجهزة النزاهة ومكافحة الفساد، لكنّ بعض هذه الأجهزة تقصّر في أداء وظيفتها؛ لذلك تشعر بفشل كبير يسيطر على جميع مفاصل
الدولة.
وهو ما نصادفه في أحيان كثيرة، فمثلا على الرغم من وجود مؤسسات تعليمية وجامعات وألقاب علمية بمختلف التخصصات لكنّ هذه التشكيلات لا تؤدي وظيفتها بصورة مهنية، حينئذ يكون الفشل هو النتيجة، وكذا الحال مع بقية مؤسسات الدولة الأخرى.
في الحالة العراقية نجد الكثير من المؤسسات التى تُعنى بمكافحة الفساد (هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية، لجان النزاهة…) لكن الفساد واضحٌ؛ لسبب يسير يمكن تلخيصه، بعدم تحقيق تلكم المؤسسات التناغم المطلوب بين شكلها ووظيفتها، فلا يكفي وجودها الشكلي من دون تحقيق وظيفتها الرئيسة، المعنية بها.
الحلّ الذي أتصوره هو ضرورة تحقيق مبدأ تبعية الشكل إلى الوظيفة، التي يُراد لمؤسسات الدولة تأديتها، وعدم الفصل بينهما؛ لأن الفصل يكون طريقًا سهلا إلى الفشل.