سياسات الجوع

قضايا عربية ودولية 2022/05/21
...

علي حسن الفواز
 
العالمُ مُهدد بمجاعة حقيقية، وغلّة القمح تفقد مخزونها الستراتيجي العالمي، والأمم المتحدة ومنظماتها الحقوقية والزراعية لا تملك سوى التلويح  بالخطر، رغم أنها تضع أهداف تحقيق الأمن الغذائي والسياسة الغذائية على رأس أولوياتها وبرامجها.
الحفاظ على هذا الأمن، لم يعد شأنا مشتركا بين الدول، فالحكومة الهندية تبنت قرارا يحظر تصدير القمح خارج حدودها، وروسيا وأوكرانيا تعيشان “حرباً سياسية” يفقد فيها العالم مخزونه الستراتيجي من القمح، وهذا ما جعل العالم مسكونا بكوابيس الجوع، وهو ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بضرورة رفع الحظر عن الصادرات الروسية من القمح والسماد، وبما يساعد على مواجهة هذه الأزمة الانسانية، والتي لا تنفع معها الحلول الترقيعية، على طريقة صندوق النقد الدولي الذي خصص 12 مليار دولار لدعم سياسات الأمن الغذائي، وطبعا هذا المبلغ ليس مجانا، ولا يذهب إلى الدول الفقيرة، بل سيدخل في حسابات السياسة، وفي معالجة أزمات هذا الأمن في أوروبا، أو في الدول التي يمكنها التنسيق والقبول بسياسات صندوق النقد الدولي.
هذه المجاعة، ليست سوى انعكاس بشع لـ”المجاعة السياسية” التي تمارسها دول “الحقل والبيدر” الكبرى، والتي تضع سياساتها في السيطرة أهدافا لفرض إرادتها، وللتغويل بقوة أسلحتها، بما فيها الأسلحة الناعمة، والأسلحة الزراعية على حساب الفقراء الذين تتسع أعدادهم، مع تزايد نسب “التصحرات” والجفاف، في دول تعاني من احتباس الجوع كما في أفريقيا، وبعض دول آسيا.
اتساع دوائر الحرب، ومساحات الحظر، ودخول العالم موجته الرابعة، يتبدى عبر جملة من السياسات الشوهاء، والتي تعيدنا إلى أجواء الكساد في بدايات القرن الماضي، وإلى فضاءات الأدلجة العنيفة، والحروب المفتوحة، بمزاجها السبراني والمسلح، والتي تجعل من الأرض حقل ألغامها، مثلما تجعل من الإنسان “فأر اختبارها” لكي يدرك السبرانيون مدى خطر الجوع على العقل الإنساني، وكذلك الكشف عن علاقة الجوع بالسياسة، وهل يمكن السيطرة على العالم عبر فرض ستراتيجيات مرعبة للجوع السياسي، أو للجوع الحقيقي؟