رحيم عزيز رجب
إن سلامة المجتمع وتماسك بنيته ومدى تطوره وازدهاره، مرتبطٌ بسلامة وقوة وتماسك وولاء أبناء أو أفراد العشيرة التي ينتمون اليها، فالعشيرة كانت وما زالت منظومة شاملة، للوحدة، والتعاضد، والتجانس، والترابط بين أفراد المجتمع، تنمي فيهم قيم المبادئ السامية وحثهم لبناء وطن، حر، شامخ، مزدهر، تسوده المحبة والأخوة وأنه فوق كل الاعتبارات والميول
فالعشائر العربيَّة والعراقيَّة، كانت تفرض نفسها في كثير من المواقف وحتى المصيرية منها كمؤسسة اجتماعية، لها كيان مستقل له ثقله في موازين القوة والسطوة والتأثير الاجتماعي والديني والاقتصادي، بل حتى السياسي اليوم، والاستقرار الأمني، فالعشيرة اليوم لها دور أساسي في حفظ الأمن، والنظام وحماية الأرواح والممتلكات العامه والخاصة في ظروف الحرب والكوارث، لما تحمله من قيم دينية، وأعراف، وتقاليد متصلة بقدم عمق التاريخ، وما تتميز بها عشائرنا اليوم ترسخ القيم النبيلة وإشاعة روح التعاون والتماسك والمحبة ونبذ كل أنواع التطرف، والكراهية، إلا أنه لايخفى على أحد أن انتقال بعض الأعراف والسلوكيات العشائرية إلى المدينة، منها العرف العشائري وتقاليد وأعراف وموروث العشيرة كلها، إلى المدينة حتى باتت اغلبها تمارس، حتى يخيّل إلى المرء أن العشيرة اليوم تطغي على المؤسسات والقانون، والتي تعود أغلبها إلى الأحزاب والتي زودتهم بالأسلحة ومنحتهم الفوقية فوق القانون.
ومع ازدياد دور العشائر وسلطتها حتى حلت محل الدولة، خاصة في المنازعات العشائريَّة في ظل غياب هيبة الدولة ومؤسساتها التي تآكلت، وما استحوذ العشائر على السلاح الثقيل نتيجة للحروب التي خاضها العراق، وانتقال تلك الاسلحة الخفيفة، بل حتى المتوسطة منها والثقيلة بيد العشائر أصبحت اليوم اكثرها مدججة، وكنها جيوش مصغرة لما تمتلكه من عدة وعدد، ولكن الكثير من السلوكيات التي ظهرت في المجتمع العشائري، التي لم يستطع رؤساؤها السيطرة عليها وانفلات زمام الامور من ايديهم، تلك، (الدكة العشائرية) والمواجهات العشائرية، والتي باتت أحد طقوس ونواميس العشيرة، والتي أخذت طابعا رسميا وتقليدا من التقاليد الموروثة، رغم الضغوطات المجتمعية المدنية، والمؤسسات الأمنية منها الدفاع والداخلية، والتي ذهب الكثير من منتسبيها ضحايا هذه التجاوزات، الا أنها ما زالت إلى يومنا هذا لم تمح وتمارس بشكل دائم، ولو بنسب ضئيلة، ولما لهذه الظاهرة السلبية من تهديد صريح لحياة الكثير من المواطنين، تلك الحالات والممارسات التي تسبب الكثير من الخوف والفزع وتهديد لحياة المواطنين، وهم يتلقون الرصاص المتطاير على رؤوس الأشهاد والأبرياء من العامة، لأسباب أقل ما يقال عنها إنها تافهة، ولا تمت لتلك المنظومة العريقة بأي صلة، ولم تكن حوادث الدهس بعيدة عن الأولى، حين يتخلى الجميع عن الأشخاص المصدومين نتيجة حوادث المرورية وإسعافهم، والتي يحتاجون أحيانا إلى دقائق معدودة لإنقاذ حياتهم وعودتهم إلى أهلهم سالمين، فتقف هذه المساعدات الانسانية حائلا، بسبب المساءلة العشائرية والعواقب الوخيمة، التي تنتظرهؤلاء، ليكونوا بين مطرقة الإنسانية والغيرة العراقية، وبين سندان العرف والعقاب العشائري، لتكون وبالا ونقمة على الضحايا من المجتمع، بدلا من عونهم وانتشالهم من موت محقق وبالتالي «فمن أحيا نفس كأنه أحيا الناس
جميعا».
وهكذا دواليك لتتغلغل أبعد من ذلك حين يأخذ الفصل العشائري مكانا وحيزا ونظاما في المؤسسات الصحية، حين تفقد العشيرة أحد افرادها في أحد المستشفيات ليتحول القضاء والقدر إلى تقصير وإهمال الطبيب، وبالتالي الثأر منه ومقاضاته، وفي التعليم تلك المشكلة الأزلية بين عنجهية الطالب، وتربية المعلم وهكذا دواليك.
للتتحول تلك الرؤية والنظرة الايجابية إلى مظاهر لاتحمد عقباه، في ظل ظروف استثنائية طارئة.
عزاؤنا بعشائرنا الكريمة منبع العطاء، والكرم والجود أن تعيد حساباتها جراء تلك الشواهد الدخيلة والطارئة، لتكون فاصلا بينها وبين القيم والمبادئ السامية الأصيلة المستلهمة من العقائد السماويَّة العظيمة.