سينمات البصرة من {الفضة إلى الرماد}

الصفحة الاخيرة 2022/05/22
...

علي حمود الحسن
"المدينة كائن حي؛ امرأة تتفتح مثل وردة ثم تذوي، إن المدينة - قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة تلد مدينة تشبهها ولا تشبهها، فبصرة اليوم غير بصرة الأمس" بهذه الكلمات الرومانسية المشوبة بالحزن يفتتح الباحث والموثق البصري محمد سهيل احمد كتابه الطريف والشيق "بين الرمل تحية محبة والماء.. البصرة صور وحكايات" الصادر عن محافظة البصرة 2021.
الكتاب، الذي قسمه المؤلف إلى قسمين، ضم الأول عشرة فصول، والثاني كرسه لحكايات وأشخاص ويوميات المدينة، هو تحية لمدينة أحب ناسها وهام بمعالمها، حتى إنه "قضى عمره هارباً منها وإليها، ليستقر به الحال طفلاً في أحضانها"، هذان القسمان زخرا بتوثيق الأحداث والشخصيات والأمكنة بأسلوب تمازج فيه الوثائقي بالانطباعي، ما أضفى عليه متعة وتشويقاً حتى إن القارئ لا يملك إلا أن يكمل قراءته، وهذا الأمر طبيعي، فمحمد ليس موثقاً حسب، إنما أديب ومترجم وصحفي بارع.
اعتمد صاحب "الشبكة والعين" في جمع مادة كتابه على الصورة الفوتوغرافية التي التقطها مصورون أجانب، وبعض من مراسلي الوكالات العالمية المحليين، على شاكلة مس بيل ومدام لافوا وفرانسوا دي ميلدي، وخزين ذاكرته الحية، فضلا عن مراجع وثقت لتاريخ المدينة العريقة، منها: "موسوعة تاريخ البصرة" لعبد القادر باش اعيان، وسفر رجب بركات المعنون بـ "بلدية البصرة 1861-1981"، وكتاب "لوحات من البصرة -عبير التوابل والموانئ البعيدة" لإحسان السامرائي.
 حفلت الفصول العشرة ومتفرقة القسم الثاني بمادة متنوعة ودسمة لأمكنة البصرة وشخصياتها وأحداثها، وقد تفرد الفصل التاسع، الذي اسماه "سينمات البصرة من الفضة إلى الرماد" بتوثيق سينمات البصرة وقصص العاملين فيها والشغوفين بسحرها منذ أيام مجدها في أوائل الثلاثينيات وحتى نهاياتها التراجيدية في تسعينيات القرن الماضي وما تلاها، رصد المؤلف أكثر من عشرين داراً للسينما، جميعها ملاذ لمسرات البصريين، مستذكراً طقوسها وطرائف مروجي أفلامها، خصوصاً تومان الأسمر الجميل الذي وصفه "بملك الصالة"، فهو ليس مروجاً تقليدياً إنما موسيقي سريالي يطلق أنغام نايه المرحة من أنفه، بعدها يمر محمد سهيل المغرم أصلا بالفن السابع على عروض سينما رويال التي تقع في سوق العطارين وتعد من أقدم السينمات بعروضها الصامتة، وسينمات أخرى صيفية وشتوية منها "الوطني" وأفلامها الهندية والأميركية، لكنها أيضاً قدمت أفلاماً للنخبة أبرزها : "لمن تقرع الأجراس" من بطولة كاري كوبر، ثم يعدد سينمات قدمت أفلامها للمجتمع البصري على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان، منها : سينما "الحمراء" (الكرنك فيما بعد)، وسينما "اطلس"، و"شط العرب الصيفي"، و"البصرة"، و "بردواي" ، و"الرافدين"، و"النصر، و"بورت كلوب" في المعقل، و"الميناء الشتوي" وغيرها كثير.
لم يكتف المؤلف بذكر السينمات ومواقعها، إنما سلط الضوء على علاقتها بالناس أنثروبولوجيا، فأبو مشتاق آخر "عشاق سينمات البصرة"، تحدث للمؤلف عن سينمات زمان وعن أرشيفه الضخم الذي يضم "شيتات" وألبومات صور لنجوم السينما، ينهي الكاتب فصله الأثير بالقول ربما انتهت سينمات البصرة، إلا أنها ظلت مخضوضرة في ذاكرة أجيال أنست بها وتمتعت بأفلامها.