الزيادة السكانيَّة.. والأرض المتاحة

آراء 2022/05/23
...

 د.سلامة الصالحي
 
صرح قبل أيام رئيس الجمهورية برهم صالح أن العراق سيعاني من تصحر قادم وزيادة سكانية لا تتناسب مع وضعه وظروفه المناخية والاقتصادية، ويبدو أن تصريح رئيس الجمهورية هو نوع من الحوار الداخلي، الذي ينتاب كل مراقب يراقب الشأن العراقي، ويرتاب لما سيحدث في قادم الايام.
لا يخفى على أحد أن العراق هو من الشعوب الفتيَّة في المنطقة، ومتوسط أعمار الناس لا يتجاوز السبعين سنة في أقل الحالات إن لم يكن قد فتكت به الأمراض المزمنة والاوبئة والسرطانات، التي تفشت في العراق بعد تلوث أجوائه، جراء عوادم الحروب والضغوطات النفسية، والتلوث الذي طال مدنه بسبب عدم الاهتمام الجدي والحقيقي بنقاوة بيئته أو مشاريعه الزراعية، التي تعطلت لأسباب كثيرة منها هجرة الفلاح وبخس ثمن منتوجه، بسبب فتح أبواب الاستيراد من دول الجوار على مصراعيه، فصار المنتوج العراقي المميز بالزراعة العضوية والبعيد عن التهجين والمعالجة، إضافة إلى تناقص بنك البذور العراقي بعد أن تمَّ تدميره على يد بريمر بعد الاحتلال، فاختفت رائحة منتوجاتنا العراقية المميزة من السوق، وصرنا مستهلكين لما تنتجه دول الجوار من محاصيل مهجنة ومطورة جينيا، وهذا ما يؤثر في صحة الناس على المدى البعيد.
فترك الفلاح أرضه وصار بدلا من أن يكون منتجا، مستهلاكا سلبيا ومنافسا لفرص العمل لأبناء المدن، وقد يكون تخلف نظام الري أحد الأسباب في شح المياه وكسل الفلاح وهروبه إلى المدن، نحن نعاني من مشكلة كبيرة ربما ستتضح آثارها الوخيمة في المستقبل، وهي التزايد السكاني الهائل والتصحر القادم، بسبب قلة المزروع والاسباب الانفة الذكر.
في الدول المتقدمة تبقى المدن على التعداد نفسه لأجيال بعيدة، بسبب تحديد النسل، رغم أن بلادهم تصلح للسكن والمعيشة ضمن كل مساحاتها التي تقابلها في العراق بقلة المساحات الصالحة للسكن، حيث تشكل المناطق الصحراوية الأكثر من نصف أو ثلاثة أرباع مساحة البلاد، من دون أن تفكر الحكومات المتعاقبة في استصلاح الصحراء واستغلالها وتوسعة المكانات الصالحة للسكن وجعلها مأهولة ومنتجة.
لا بد من وضع خطة ستراتيجية لمواجهة محنة التصحر والزيادة المجنونة بعدد السكان، الذي نجده في أغلب الاحيان في المناطق الشعبية التي يتفشى فيها الجهل والفقر والأهمال، فلا تجد الناس نفسها بتسلية الا التزاوج المبكر والمتعدد وحشر أكثر من عائلة في بيت قد لايتجاوز المئة متر، ما يؤدي إلى تصدير هذه الأزمة إلى المدن، فينتشر الأطفال المسربين من المدارس وبسبب الفقر
والعوز. 
على تقاطعات الطرق واستخدام وسائل في الاستجداء باتت معروفة للجميع، وهذه المظاهر بقدر اهانتها للانسان وإلى كرامة البلد والمجتمع، فإنها تشكل أسسا لما سيحدث في المستقبل من جريمة منظمة واستسهال وشيوع موجة المخدرات والانحرافات الاخلاقية وبالنتيجة سيتضرر الجميع، إذ إن مشروع الزواج والانجاب يجب أن تشرف عليه مؤسسات الدولة وتسن القوانين لحماية النساء من المتاجرة بهن وتزويج القاصرات للتخلص من تكاليف المعيشة، وبالنتيجة فإن الفقر وبرفقة الجهل سوف لا ينتج غيرالفقر والجريمة والبؤس، كيف سيتعامل رئيس الجمهورية مع هذا الملف الخطير والمهم، وهل لديه ما يقف بمواجهة هذا المد من الخطر، الذي سيأتي لا محالة في بلد تنحسر مساحة السكن فيه، وتتزايد نسبة المواليد الجدد، هل سيقدم مشروعا ودراسة لمجلس النواب والمؤسسات المختصة بتشريع جديد لمواجهة هذا الخطر، الذي كان إهمال الحكومات وعشوائية المنهج المتخذ في التعامل مع مشكلات المجتمع وانشغال الساسة بخصوصياتهم وانتماءاتهم الخارجية عما حدث في العشرين السنة الماضية من خلل بنيوي كبير في بنية وتماسك المجتمع، وعدم وجود أي جهة مخلصة تتبنى بناء الدولة والمجتمع، ووضع خطط ستراتيجية لبناء المجتمع والحفاظ على كرامته ورفاهية أبنائه وتطورهم نحو الأفضل، فمظاهر الازدحامات واكتظاظ المدن وانشطار البيوت وازدحام المدارس والاعتماد في كثير من الأحيان على التعليم الأهلي، الذي يربك ميزانية العائلة، كلها تقف خلفها الزيادة غير الواقعية في السكان أمام انحسار مشاريع التنمية والتنمية المستدامة وتوسيع المدن وتطوير الريف والزراعة، والطلب المتزايد على الماء والكهرباء والمؤسسات الصحية، هناك فوضى مطنبة في تهذيب وترتيب حياة الناس والمواليد الجدد ضمن العائلة ومؤسسات الدولة، التي يجب أن يضع نظامها الداخلي وقوانينها، قوانين جديدة يسنها البرلمان وتتبع، وتخص هذه القوانين في توفير حياة كريمة للطفل القادم من مأكل ومسكن ومدرسة ومستشفى، حتى لا تصبح زيادة السكان عشوائية وبلا تخطيط، ويتحمل في هذا الجانب الأفراد كمنجبين للطفل ومؤسسات دولة تراقب وتطبق القوانين وتحافظ 
عليها.