د. فاضل البدراني
لكي يعرف أفراد المجتمع أن الصحفي إنسان قائد لهم، وفي خدمتهم عند ممارسة حياته المهنية اليومية، وليس موظفا يمارس حياته كبقية موظفي القطاعين العام والخاص، وليعرفوا أنه شخص يفكر بعقل المجتمع لا بعقله الفردي، وعند مواجهته للتحديات ومتطلبات الحياة، انما يستمد ذلك من قدراته ومهاراته الكبيرة لصنع الحياة، وكذلك من إيمانه بحجم المسؤولية الإنسانية التي يتحملها، أنها مسؤولية بناء وحماية المجتمع يمارسها بصفته الاعلامية بطرق وآليات فيها من أهداف تحقيق العدالة ما يجعل حامل بطاقة الصحافة بالفعل انسانا مدافعا عن حياة الفقراء والبسطاء، ويصبو في رسالته تحقيق العدالة للجميع، يهز عرش الجبروت والطاغوت، وينتزع السلطة من يد كل دكتاتور متسلط،، ويحطم ايوان المتجبر، ويكشف جرائم كل قاتل ومجرم، ويعري كل فاسد ومخادع. لكي يعرّف العاملين بقطاع الاعلام، والمتلقين لرسالته مبادئ الاعلام ومفاهيمه، بأنه سلطة أولى لا سلطة فوقها تستمد قوتها من عزم وإصرار الصحفيين على تحقيق أهدافها مهما كلف الأمر من تضحيات.
قبل أيام استشهدت صحفية فلسطينية بارزة في الأوساط الإعلامية العالمية “شيرين أبو عاقلة” بنيران قناص جندي إسرائيلي بحسب الروايات الاستقصائية، التي تبنتها مؤسسات إعلامية وأمنية عالمية، وشهود العيان من الصحفيين، وبوفاة الصحافية أبو عاقلة، توحدت شعوب العالم حزنا عليها، وبالتنديد لجريمة المحتل الاسرائيلي، بل توحدت جميع الأطراف الفلسطينية المختلفة تحت علم فلسطين وصورة أبو عاقلة، ليصبح اسم الشهيدة ايقونة الصحافة الفلسطينية والعالمية، فأغلب بلدان العالم العربي أقيمت فيها مجالس عزاء وسفارات دولة فلسطين نظمت مجالس لاستقبال المعزين واستقبال رسائل المواسين، الكل يلهج باسم شيرين أبو عاقلة، والمتفرج على الشاشة التلفازية العربية حتما ذرفت عيونه الدموع حزنا على مقتل صحفية بسمعة ووزن شيرين.
لقد تحولت الراحلة إلى رمز من رموز القضية الفلسطينية، وختمت حياتها بأعظم قصة تشغل العالم بدمائها لا بحبر القلم، وتميزت هذه القصة عن كل القصص، التي واكبت في نقلها للمشاهد العربي والعالمي على مدى 25 عاماً عبر قناة الجزيرة الفضائية، وقالت للعالم بأن القضية الفلسطينية حق مهدور من قبل عصابات صهيونية، اغتصبت أرض أهلها وأجدادها. يموت آلاف الناس في العالم وبينهم زعماء وقادة دول، لكنهم يختفون لمجرد الوفاة، بينما اغتيال شيرين جعل العالم يستهجن جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ولو لا إنها كانت صحافية تحمل وجع الوطن بوجدانها الصادق وقلمها الوفي لفلسطين لما حزن العالم عليها، فكل النياشين والأوشحة التي سطرت على صدر فقيدة الاعلام” شيرين “ إنما عكست مواقف شجاعة ومهنية عالية وخبرات متراكمة. فلا بد أن يتعلم الجميع من درس أبو عاقلة في بناء الوطن بعقلية المجتمع على أن المواقف هي أكاديميات للأبطال. نعم الصحافي انسان قائد، وليس مجرد ناقل للمعلومات في المجتمع، وتحية لروح الشهيدة أبو عاقلة والعار للقتلة، الذين حاولوا اسكات الصوت الناقل لحقيقة جرائم المحتل الاسرائيلي.