ريسان الخزعلي
الهزل في التعريفات القاموسيّة، أن لا يُراد باللفظ معناه، لا الحقيقي ولا المجازي، وهو الضِد والنقيض للجِد. ومن معانيه أيضاً بتوصيف محدود : لمزاح؛ إلا أنَّ الفرق بين الهزل والمزاح، أنَّ الهزل يقتضي تواضع الهازل لمن يهزل بين يديه، والمزاح لا يقتضي ذلك .
في حياتنا اليومية، تحصل مفارقات حادّة، قد تؤدي للخصام أو القطيعة المجتمعية بسبب الهزَل الذي يحصل بين الأفراد، اعتباطياً أو قصدياً، وقد تحصل ردود فعل غير متوقّعة نتيجة هذا الهزل حين تُخطيء المقادير قياساتها. وقد يؤدي سوء الفهم من جرّاء الهزل إلى تقاطعات يفقد البعض بسببها حياته أو حياة مَن يشملهم تخاطر الهزل .
ويُشير معجم علم الاجتماع، الى أنَّ العلاقات الهزلية تتضمن مزيجاً معيناً من الصداقة والعداوة بين أفراد وجماعات تتميّز بظروف اجتماعية معينة، يستطيع الفرد أو الجماعة من خلالها الاستهزاء بفرد آخر أو جماعة أخرى دون ارتكاب أية مخالفة أو جنحة تمس بالقانون العام. وقد حاول العالم الانثروبولوجي/ راد كلف بروان/ في كتابه ( التركيب والوظيفة في المجتمع ) دراسة الفروق بين العلاقات الهزلية المتوازنة التي يحق للطرفين فيها ملاطفة أحدهما الآخر، والعلاقات الهزلية غير المتوازنة التي يحق فيها لطرف واحد دون الطرف الآخر بالاستهزاء والملاطفة .
إنَّ جذور نشأة العلاقات الهزلية في المجتمعات البدائية الأولى تعود لما كان يحصل بين الرجل وزوجته من علاقات توصف بالهزلية أو بين الأب وابنه أو بين العم أو الخال وابن الاخت أو بنت الاخت، وهكذا . وقد تحصل بين أشخاص ينتمون إلى أجيال مختلفة كما هي الحالة في العلاقات الهزلية التي تقع بين الجَد والحفيد. ونتيجة لتزايد أفراد المجتمعات، أصبحت العلاقات الهزلية تقع بين أعضاء الجماعات القرابية الكبيرة كأعضاء العشائر والقبائل .
بعد التحوّلات السياسية والاجتماعية التي حصلت في بلدنا عام 2003، برزت ظواهر غير مألوفة في حياتنا الاجتماعية، من بينها ظاهرة الاحتراب بين الأفراد والجماعات والعشائر نتيجة علاقات هزلية عابرة، تُضخّم وتُؤول بطريقة يُفهم منها المساس بالمعتقد أو الشرف. وغالبا ً لا يتم الحسم وانهاء النزاع إلا (بالفصل العشائري) وبمبالغ غير طبيعية.
إنَّ معالجة هكذا ظاهرة تقع مسؤوليتها على مؤسساتنا الثقافية والدينية والتعليمية، من خلال التثقيف بالضِد منها بالوسائل المتاحة لها، كي نضمن المجتمع الأنقى
والأرقى.