الكاربس هو اسم شعبي أطلقه العراقيون على شجرة أدخلت مؤخراً للعراق اسمها العلمي Conocarpus lancifolius والاسم الشعبي هو ترجمة لمختصر اسم مقطع الجنس Conocarpus وهذا الجنس يعودُ الى العائلة الكومبرتيَّة Combretaceae وهي العائلة التي اشتغلتُ أنا عليها في الدكتوراه.
يضم الجنس نوعين أحدهما وهو الكاربس (افرو آسيوي) ينتشر طبيعياً في الصومال واليمن والمناطق المجاورة لها، والآخر هو أميركي C.erectus وينتشر على سواحل أميركا وهو أحد أجناس المنغروف؛ أي أشجار السواحل البحريَّة التي تتحمل تأثيرات الأمواج البحرية والرذاذ الملحي.
خرافات وأكاذيب
يتعمد البعض بين الحين والآخر إطلاق أسماء وهمية للنيل من هذه الشجرة ومن دون أي أساسٍ أو سندٍ علميٍ، ومن هذه الاسماء الوهمية:
شجرة بريمر: على أساس أنَّ بريمر أثناء غزو العراق هو من أدخلها لتدمير البلاد.
الشجرة الداعشيَّة أو الخبيثة: على أساس أنها شجرة مدمِّرة وتقتل كل شيء وذات تأثير يشبه أفعال داعش التخريبيَّة.
الشجرة الملعونة أو الشيطانيَّة: على أساس أنها من أشجار الجحيم كشجرة الزقوم شديدة المرورة فهي شجرة ضارة للحياة والبيئة وتسبب الحساسيَّة وأمراض الجهاز التنفسي للإنسان وهي سبب الكورونا وأنها تمتصُّ الأوكسجين وتبعث ثاني أوكسيد الكاربون وهي بذلك مسؤولة عن حرارة الجو الشديدة فهي سبب الاحتباس الحراري والتغيرات المناخيَّة.
ونؤكد هنا أنَّ كل هذه التسميات هي خرافات وأباطيل وأقاويل كاذبة لا أساس لها من الصحة أطلقها البعض من ذوي النفوس الضعيفة للترويج لمكاسب ومصالح ذاتيَّة ضيقة وآنيَّة كاستيراد وبيع البذور والشتلات لأشجارٍ أخرى معينة مستوردة قد لا تصلح لبيئة العراق.
ضارة أم مفيدة؟
تشير الأبحاث العلميَّة الحديثة (منذ 1950 والى الآن) الى أنَّ الكاربس هي شجرة اعتياديَّة ومن الأشجار المفيدة طبياً وبيئياً واقتصادياً، وتحتوي على العديد من الجواهر الحيويَّة الفعالة ذات الخواص المضادة للأكسدة والبكتريا والفطريات وللأمراض السرطانيَّة ومضادة لارتفاع السكر والتدرن ومفيدة لمعالجة أمراض الصدر والأمعاء، ولها أهميَّة معتبرة في معالجة الملوثات البيئيَّة المختلفة في الهواء والماء والتربة.
إنَّ كل ما يشاع حول هذه التأثيرات هو مجرد تهويلٍ لا سند علمياً له ولا يوجد بحث علميٌّ واحدٌ يثبت أنَّ جذور الكاربس لها القدرة على اختراق الأنابيب البلاستيكيَّة أو الكونكريتيَّة وأنَّ ما يحصل أحياناً من نفوذ جذورها الى بعض الأنابيب المكسورة أو الجوينات التي تنضح فهذا شيء اعتيادي يحصل لجذور معظم الأشجار وأنَّ التأثيرات السلبيَّة لجذور أشجار الصفصاف والغرب واللبخ والسدر والتكي ولسان العصفور وغيرها أكثر بكثير من جذور الكاربس وأنَّ المصادر العلميَّة لا تذكر الكاربس ضمن قائمة النباتات ذات التأثيرات في البنى التحتيَّة.
مفيدة لأمراض الصدر والأمعاء
أما بخصوص كذبة تأثيرها الضار في الجهاز التنفسي، فالعكس هو الصحيح، إذ إنَّ الموسوعة النباتيَّة للصومال 2008 أكدت فائدة النبات لأمراض الصدر والأمعاء.. وكحقيقة فإنَّ حبوب لقاح أشجار النخيل والجلفلورا واللبخ هي أكثر إثارة للحساسيَّة من أزهار الكاربس.
ومن هنا فاننا ندعو الجميع بعدم تصديق هذه الشائعات والاوهام المضللة حول هذه الشجرة وندعو للتعامل معها كشجرة اعتياديَّة ومفيدة للإنسان والبيئة والعمل على الاستفادة من وظائفها البيئيَّة مثل وفرة ظلالها وسرعة نموها ومقاومتها للملوحة وتحملها للحرارة في تحسين البيئة ومواجهة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية والتصحر وأنْ يكون التعامل بطريقة علميَّة وفنيَّة يتناسب مع تكيفاتها البيئية ومزاياها المتعددة، وأنْ يتم اختيار الأماكن المناسبة لزراعتها والاستفادة من خصائص نموها في تجميل المدن والحدائق العامَّة بالأشكال الهندسية الجميلة.
تعدُّ الكاربس من أهم أشجار الشوارع في الصومال ومن أهم المصدات في دولٍ كثيرة أخرى وتصلح للمتنزهات العامَّة لعمل الديكورات الهندسية الجميلة وتصلح لعمل الأسيجة في أي مكان، إذ استثمار مزاياها البايولوجيَّة والبيئيَّة المتعددة لحماية بيئتنا وتحسينها. وهذا لا يعني عدم زراعة وتجربة أشجار أخرى جديدة قد تتلاءم وبيئتنا لكنَّ الأفضل زراعة الأشجار المتكيفة مع الظروف البيئيَّة للعراق.