إلى متى يبقى الانسداد السياسي؟

آراء 2022/05/24
...

  أ.د عامر حسن فياض
 
يخطأ من لا يفرح بانسداد سياسي سببه وهدفه التنافس على إرضاء العباد وتحقيق مصلحة البلاد.. ويخطئ من لا يحزن وهو يدرك أن سبب وهدف الانسداد ليس سياسياً ولا دستوريا، بل إن مجرى الحياة السياسية يعاني من انسدادات عنوانها المصالح الجهوية الضيقة والأطماع الشخصية غير المتصالحة مع الاستحقاقات الوطنية.
إلى متى هذا الافراط بالمبادرات(الكلامية) والتفريط بالقرارات والأفعال (الانجازية)؟ وإلى متى تبقى الأرقام القياسية السلبية تترى وهي أحسن ما تجيد صناعته القوى السياسية المتنفذة في العراق؟
نعم لقد سجل (قادة) العراق أسرع تصويت لحرمان نائب منتخب من ممارسة وظيفته النيابية على غرار اقرانه! و سجل (هؤلاء القادة) رقما قياسيا لخمسة أنظمة انتخابية مختلفة في خمسة انتخابات عامة! وسجل (هؤلاء القادة) أرقاما قياسية عالمية بالتأخير والمماطلة في تشكيلهم للحكومة بعد كل عملية انتخابية! وسجل (هؤلاء القادة) أغرب التفسيرات للمصطلحات المألوفة في القواميس السياسية بصدد التواقفية (عفوا التوافقية)، ليجعلوا من علويتها بديلا أو فوق العلوية الدستورية.. وليجعلوا من التعددية السياسية محاصصة مكوناتية لاعلاقة لها بالسياسة، اي محاصصة قومية ودينية ومناطقية! للخروج من (دهلة) التوافقية و الوقوع في (دهلة) الاغلبية و(دهلة) الثلث المعطل، ليجعلوا منها مصطلحات زئبقية عائمة وغير واضحة وغير معلومة! فحتى اللحظة لا نعرف من هي الكتلة النيابية، التي تمثل الأغلبية السياسية ولا كتلة الثلث المعطل ولا كتلة الربع او نصف الربع المعارض!.. فلماذا؟
لأن الجهة التي يفترض، حسب الدستور، أن تحدد وتسمي وتسجل الكتل النيابية (اي مجلس النواب) لم تقدم حتى الآن على تأدية وظيفتها السياسية المهمة هذه، بل إنها أجادت، كالعادة، ترحيل مشكلة عدم تحديد وتسمية وتسجيل الكتل النيابية لتتحول هذه المشكلة إلى رحم لعقبات كأداة في طريق انجاز الوظيفة السياسية الثانية لمجلس النواب (اختيار رئيس الجمهورية)، والوظيفة السياسية الثالثة (تكليف من تمت تسميته من قبل الكتلة النيابية الاكثر عددا لرئاسة مجلس الوزراء)، فما العمل للخروج من انسدادات مجرى العملية السياسية؟
إنَّ كل المبادرات التي قدمت لمعالجة ذلك الانسداد، سواء من قبل التيار أو الإطار لم تتمكن من إزاحة أطيان الانسداد السياسي، لأنها لم تتضمن تنازلات متبادلة من هذا الطرف ولا من ذاك، الامر الذي زاد الانسداد انغلاقا. بل حتى ما يسمى بـ(المستقلين) المتبعثرين تنظيميا وغير المؤطرين بخطاب سياسي موحد ليس لديهم القدرة لوحدهم على فك الانسداد!
عدا المحكمة الاتحادية نقول، بحق، إن المبادر في العراق لا يستطيع أن يقرر، وتلك حقيقة لا يمكن تجاهلها.. عليه وقبيل اجراء فك الانسداد بحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة اخرى بإمكان المحكمة الاتحادية اتخاذ قرارها الذي لا يتعارض مع الدستور ولا يخرج عن احكامه وهذا القرار يمكن أن يتضمن الإجراءات الآتية:
أولا: إلزام مجلس النواب والجهات ذات الصلة بحل البرلمان على وفق الدستور، اما بطريقة طلب من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء او بطريقة تقديم الثلث من أعضاء مجلس النواب طلبا لحله.
ثانيا: إن لم يحصل ذلك خلال فترة يحددها قرار المحكمة (وبالتأكيد لم يحصل) تلزم المحكمة بقرارها المنشود، هنا تلزم اعضاء مجلس النواب جميعا بحضور جلسة انتخاب مرشح لرئاسة الجمهورية لاستكمال نصاب الجلسة، ويعد من لم يحضر هذه الجلسة عددا مكملا لنصاب الثلثين، لأن الحضور يمثل تأدية وظيفية سيادية ملزمة دستوريا واستحقاقا وطنيا وليس جهويا، عندها سيتم تجاوز عقبة انتخاب رئيس جمهورية، بعدها أوتوماتيكيا يتم تجاوز عقدة تسمية من يتولى رئاسة مجلس الوزراء وتكليفه من قبل رئيس الجمهورية المنتخب ومنح الثقة للحكومة، سواء تشكلت بالأغلبية او بالتوافقية. 
ثالثا وأخيرا دون هذا القرار من قبل المحكمة الاتحادية، يصبح الانسداد قاعدة ليطفح مجرى الحياة السياسية بزبد ضار بالبلاد والعباد لا علاج منه الا بالعودة إلى الارادة الشعبية، وهي المحقة حين تطالب بحل البرلمان واجراء انتخابات بالطريقة التي ستختارها هذه الارادة وبالذات ارادة المظلوم الغاضب وزفرة الحليم المحتج.