ردة الفعل في تنفيذ الأحكام والعقوبات

آراء 2022/05/24
...

 زهير كاظم عبود
 
 الاختلاف في الفكر والعقائد والالتزامات طبيعة البشر وحقيقة من حقائق الحياة، وفي حالة حدوث آي تجاوز او إساءة او تعدي، فإن نصوص قانون العقوبات العراقي لم يهمل إيقاع العقوبات المتناسبة علي مرتكبيها٬ سواء ما كان منها عمليا او معنويا. 
غير أن الملموس وبسبب ضعف الوعي القانوني لدى مجتمعنا، وللقلق من الاحكام والنتائج التي تصدر عن القضاء٬ يلجأ الناس إلى وسيلة غير قانونية وغير مشروعة وتنعكس نتائجها السلبية عليهم في حال قيامهم بايقاع العقوبة بأساليب انفعالية، أو منفلتة تحت تأثير فوران العواطف وانفلات 
الأعصاب.
ولست معنيا بتحليل الظاهرة نفسيا فتلك من مهمات علماء النفس والمجتمع٬ إلا أن التشريع العقابي يجسد ضمن فصل قانونية الجريمة والعقاب إن كل فعلا أو امتناعا عن فعل أمر به القانون، وينص عليه وقت ارتكابه يخضع للعقاب وللتدابير الاحترازية التي ينص عليها القانون.
الخلل لا يكمن وحده في حالة ضعف الوعي القانوني، لأن مدارسنا وتعليمنا بني على أساس الابتعاد عن كل ما نتعلمه من القوانين والحقوق٬ إضافة إلى ما رسخ في أذهاننا من أن أسلوب القوة والأخذ بالحقوق يكون الطريق الأكثر فاعلية والأسرع في تحقيق النتائج غير عابئين بأن تنعكس صورة الفعل الجرمي أو المساواة مع الفاعل الإجرامي في الفعل والعقوبة. 
الأعراف والتقاليد التي ورثناها في هذا الجانب لها دور كبير في الرسوخ بعقولنا أيضا٬ غير أن بناء الثقة من أن جميع الأفعال المخالفة للقانون ماديا او معنويا تجعلنا نثق ليس فقط بالقضاء كملجأ نتكئ عليه ونثق به في تحقيق العقوبات وتفرض التطبيق القانوني بشكل أمين ومحايد. 
ولا يمكن ان يكون ردة الفعل أو التصرف المبني على الانفعال والعواطف الشخصية هي، التي تحل الامر وتمهد الطريق للتطبيق القانوني مهما كانت الأفعال جسيمة او وخيمة٬ لأن الدستور العراقي وهو رأس الهرم القانوني.
وهو الذي أكد في نصوصه على حرية الفكر والضمير والعقيدة لكل فرد من الأفراد٬ وأن الفرد حر في ممارسة الشعائر الدينية وحرية العبادة٬ وأن مهمة الدولة أن تكفل ليس فقط حرية العبادة وحماية الأماكن المقدسة وإنما تحمي الفرد من أي تجاوز يحصل ويقع على حرية الفكر والعقيدة. 
اللجوء إلى العنف والقوة المفرطة لا يمكن أن يحل الإشكال ولا يكون الحل الأمثل للتجاوزات الحاصلة من أي جهة كانت٬ وكما أن تحديد جسامة الهدف والتجاوز لا يحددها الانفعال وحرق المباني وهدمها٬ مهمة السلطة التنفيذية تبدأ من لحظة وقوع الفعل الذي يعاقب عليه القانون لتحيل القضايا على القضاء٬ تنتهي مهمة القضاء بصدور القرار القضائي واكتسابه الدرجة القطعية، أما بتصديق المحكمة الأعلى على الحكم او لمضي المدة القانونية المقررة، دون طعن من جهة ما، وبذلك يصبح الحكم قابلا للتنفيذ، سواء كان حكما مدنيا أو جزائيا، وحتى نفصل بين البدء بالإجراءات والنطق بالحكم وبين تنفيذ تلك الأحكام، علينا أن نتعرف على الفاصل الأساسي بين مهمة القضاء ومسؤولية تنفيذ الأحكام القضائية التي قد تختلط عند البعض.
وكثيرا ما نسمع الانتقادات الموجهة للقضاء حول عدم الاستعجال في تنفيذ الأحكام والعقوبات، وهي مهمة لا تخص القضاء ولا تقع ضمن دائرة مسؤوليته، وحتى نكون منصفين وعارفين لطبيعة العمل القضائي، فإن القضاء العراقي ليس له دخل في قضية سرعة تنفيذ الأحكام، التي صدرت بحق المجرمين من الإرهابيين أو غيرهم من المدانين بارتكاب الأفعال الجرمية واكتسبت الدرجة القطعية، حيث إن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولايجوز لأي سلطة مهما كانت التدخل في القضاء او في شؤون العدالة. 
وفي جميع الأحوال فإن اللجوء للعنف كوسيلة خاطئة للتعبير عن ردة الفعل تضع مرتكبها أيضا تحت طائلة القانون والعقوبات التي ينص عليها٬ وهي ليست الوسيلة المنطقية والحضارية والقانونية التي يلزمنا منهجنا في بناء دولة القانون أن نلتزم بها٬ ومزيدا من الوعي القانوني والتمسك بثقتنا بالقضاء وبالقوانين يمكن أن يكون الطريق الأكثر جدوى وانسجاما مع ايماننا جميعا لبناء دولة تحت حكم الدستور والقانون.