د.نازك بدير*
بعد مرور اثنتين وعشرين سنة على تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، ثمة مَن خانته الذاكرة، وظن أن الحرية التي يتمتع بها اليوم، على امتداد مساحة الوطن، برًّا وبحرا وجوا، هي تحصيل حاصل.
25 أيّار 2000 محطّة مفصليّة مشرِّفة في التّاريخ الّلبناني والعربي على حدّ سواء، فيها كُسِر جبروت المحتلّ وأعوانه بفضل تضحيات المقاومين، والأسرى، وصمود الأهالي الذين تجرّعوا مرارة الاعتداءات المتكرّرة من العدوّ، ومجازر ارتُكِبَتْ بحقّ مدنيّين عُزّل. الجبالُ في الجنوب قاومت بأشجارها، وصخورها، وحجارتها عندما حمت المقاومين، وأمّنت لهم العبور ليزلزلوا العدوّ في مقرّاته، ويخترقوا تحصيناته.
نهر الليطاني أهزوجة المقاومين، ورفيق دربهم رواحًا وغدوًّا، وحافظ ألقابهم وأناشيدهم، حوله استظلّوا، من عذْب مياهه توضّؤوا، جسره كان صراطًا مستقيمًا" للشّهيد الحيّ" أسطورة الأبطال.
في هذه الذكرى نستحضر الأمهات اللواتي قاومْن الاحتلال بالزّيت المغلي، والفتيات والفتية الذين أرعبوا الدوريّات الإسرائيليّة بالمفرقعات، والمقاومات اللواتي قضين زهرة شبابهن في المعتقل، وتعرّضن لأبشع أنواع التّعذيب النفسي والجسدي.
وثمّة مَن استشهدن دفاعًا عن وطن لا تزال إلى اليوم أجزاء من أراضيه مغتصبَة بكلّ خيراتها (مياه الوزّاني تمّ تحويل قسم كبير منها إلى الأراضي المحتلّة، في حين أنّ المواطنين يشترون المياه للشرب ولريّ أراضيهم)، كذلك مياه البحر مسلوبة( وتاليًا ما تحويه من ثروات)، وأجواؤه تتعرّض للانتهاكات بشكل شبه يوميّ.
على الرّغم من الانتصار الكبير الذي تمّ تحقيقه في أيّار من العامّ 2000، إلّا أنّ التّحديّات تتفاقم يومًا بعد يوم، سواء بالنّسبة إلى موضوع تحرير ما تبقّى من أراض محتلّة، وترسيم الحدود البريّة والبحريّة، أو بالنّسبة إلى الملفّات الدّاخليّة، والعمل على تحرير البلد من الفساد. لعلّ المواجهة الأشدّ هي في الجبهة الداخليّة حيث العدوّ الأكثر شراسة، وتغوّلًا واستفحالًا: تغلغل الفساد في مختلف مفاصل الدّولة، في أجهزتها، وإداراتها، ومرافقها الحيويّة. المعركة الأساسيّة اليوم تبدأ من الدّاخل، في تحدّي الفاسدين، ومواجهتهم، ومنْعهم من التّمادي في غطرستهم، وغيّهم، ومحاسبتهم، وكشْف صفقاتهم المشبوهة، وضرورة التوقّف عن حمايتهم والتّعامي عن انتهاكاتهم التي لا تقلّ إجرامًا بحقّ المواطن عمّا قام به العدوّ الإسرائيلي.
التحرُّر الحقيقي يبدأ من تنظيف البيت الدّاخلي، ويتحقّق عندما يتحرّر الإنسان من التّبعيّة، ويصبح الانتماء خالصًا للوطن، وليس للزّعيم.
* كاتبة لبنانية