علي المرهج
حاول الإسلاميون ربط الديمقراطية بالشورى، ومحاولتهم تأصيل الديمقراطية في العودة للأحاديث والسيرة النبوية وأحاديث وسير أصحابه والتابعين وأهل بيت الرسول، والبحث في متون التراث عما يؤيد هذه الفكرة. ولذلك هم يقبلون من حضارة العصر ومؤسساته ما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو ما يمكن تبريره داخلها.
المشكلة في الدفاع عن الديموقراطية على أنها لا تتعارض مع الإسلام، والتعامل معها كآلية، هو في حد ذاته اقصاء للديموقراطية، لأن من مقتضيات الديموقراطية، الدفاع عن الحريات بكل أشكالها، وتبني مقولات المجتمع المدني، واعتماد القانون الوضعي مع الإفادة من معطيات الدين الإنسانية، ولهذا فالديموقراطية، بهذا المعنى، تكون أسلوب حياة، لا آلية للتنافس في الانتخابات فقط.
هناك وجهة نظر أخرى، تعطينا حلاً لما يبدو متناقضاً، وهي أننا نستطيع أن نضع البحث عن علاقة الإسلام بالديمقراطية بصيغة سؤال وهو: هل تضر مقولات الديمقراطية الإسلام كدين وليس كأيديولوجيا، وهنا تكون مهمتنا أيسر ولا تعتمد البحث عن جذور للديمقراطية في الإسلام بقدر ما تجعلنا نبحث عن مساحة للإسلام داخل العالم الديمقراطي أو عما تُعطيه الديمقراطية من مساحة للمسلم وغيره للتعبير عن أفكاره ورؤاه.
وهذا لا يقتضي منا القول بالتناقض بين الإسلام والديموقراطية، بل وحتى بين الإسلام والعلمانية، لأن في هناك رأيا وآراء، وهو أمر لم يُحسم القول فيه ولم يتفق عليه كثير من المفكرين الإسلاميين أنفسهم، فبعضهم يذهب إلى القول "إن لا كهنوت في الإسلام"، وبهذا المعني، أن الإسلام يرفض سلطة رجال الدين، وهو أقرب للعلمانية، لأنه في جوهره، إنما جاء به النبي "ليتمم مكارم الأخلاق".
هناك مجموعة أسباب لا سيما في العراق هي التي ساعدت على أن يكون الإسلام دينًا كهنوتًيا، أهمها النزعة الدكتاتورية المرتبطة بتأليه الدكتاتور، بوصفه ظل االله في الأرض، وثانيهما، رد فعل الجماعات الدينية المعارضة لهذه السلطة، فتلجأ لرجال دين حقيقيين ليستعينوا بهم في مواجهة عنت السلطة، هذا فضلاً عن استغلال بعض رجال الدين لسذاجة الناس البسطاء، ليوهموهم أنهم الوسطاء بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، ولايخفى الصراع على فكرة الإمامة في علم الكلام الإسلامي، وفكرة الخلافة للرسول (ص) وفكرة النيابة عن الأمام.
كل هذه عوامل ساعدت عن نشوء السلطة الدينية، ليكون لها الدور الكبير في ترسيم تاريخ مجتمعنا، بل وحياته المعاصرة، لتكون عندنا "خلطة عطار" بين رجال دين معتدلين، وآخرين متطرفين، والأغلب يعملون على تغييب العقل النقدي، لأن أغلبهم يدعمون أحزاب الإسلام السياسي، إن لم يكن بعضهم منتميا لهم، لذلك لن يكون للديموقراطية من حضور على مستوى الحياة الاجتماعية، طالما كانت هذه الأحزاب هي المحركة للمجال العام الذي سيطرت عليه بسبب تراكم الجهل والاستبداد وتغييب العقل قبل عام 2003، ليستمر إلى
يومنا هذا.
كثيرًا ما يستمد الإسلاميون المعتدلون وكذلك المتطرفون خطابهم من النص المقدس ومن التراث، وكل منهما يدعي أنه الممثل الحقيقي لتطبيقه على الأرض، وكل واحد منهم يُظهر شيئا ويُضمر آخر، الذي يُظهره من يُريد تطبيق الديمقراطية وحق العيش للجميع، والذي يُضمره دعاة الديمقراطية إيمانهم بتعارض الديموقراطية، بوصفها فكرا نسبيا متغيرا مع المطلق الديني الذي تدعي تبنيه.
تؤمن الديموقراطية إيماناً صريحاً بأحقية الآخر في التعبير عن أفكاره حتى وإن كانت تتعارض مع الدين ومسلماته، وهذا ما لا يقبله ليس الرافضين لها فقط، بل المعتدلون أيضًا.
حاول البعض منهم تقليص الفجوة بين الإسلام ومفهوم الديمقراطية بوصفها آلية للعمل، كما أشرت لذلك، وليست طريقة في الحياة، عبر محاولة المواءمة بين مُنجز الحضارة الاسلامية في التعامل مع الآخر أو عبر استحضار النصوص المقدسة (القرآن والحديث النبوي)، والتي جاءت على لسان صانعي الحضارة الاسلامية من خلفاء ومفكرين وفقهاء، من خلال تفسير النصوص الإسلامية التاريخية (المُقدسة)، بما ينسجم ومقولات الفكر الديمقراطي، لتكييف الديمقراطية وتبيئتها وفق المنظور الإسلامي، بوصفها آلية للعمل السياسي ولإدارة الدولة لا كأيديولوجية وفلسفة تحكم نظام الحياة، لأن الديموقراطية كآلية لا تتعارض والحكم في الإسلام كما يرى كثير من المؤدلجين المتأسلمين، وحتى بعض العلمانيين نظَروا للقول بعدم تعارض الديموقراطية مع الإسلام، لأنهم يعتقدون بأن الإسلام يُدافع عن: حرية التعبير عن الرأي، التعددية الحزبية، الحياة البرلمانية، الإنتخابات الحرة، الحرية الفكرية والسياسية، وأعتقد أن هذه المقوم محتوى في المقوم الأول، التداول السلمي للسلطة، الأخذ برأي الأكثرية وأخيراً رعاية حقوق
الأقلية.