المدينة الأرملة

العراق 2022/05/26
...

أحمد عبد الحسين
لا توجد مدينة في العالم حدثتْ فيها مشاريع إعمار واستحدثتْ بناها التحتية وشهدتْ نهضة عمرانية مثل مدينة الصدر، مع ملاحظة قد لا تبدو مهمة جداً وهي أن تلك المشاريع كانتْ على الورق فقط. تُرصد الأموال الطائلة وتُطرح التصاميم الطموحة ويبقى التصميم على حاله جميلاً على ورق صقيل لكن الأموال تتبخر.
لم تُصرف تصاميم ومشاريع وأموال على مدينة دبي بهذا القدر. كان مرصوداً للمدينة التي يسكنها أكثر من ثلاثة ملايين شخص عشرة مليارات دولار، وبعد أن ذهب المبلغ إلى المجهول وجد الخبراء أن هذا المبلغ لا يكفي فجعلوه عشرين ملياراً، فلا عشراً رأينا ولا عشرين إلى أن نسي الأمر تماماً حتى أن الأرض التي كانت مخصصة لبناء الوحدات السكنيّة أصبحتْ أحياء عشوائية مترامية الأطراف.
يقال إنّ إقالة أمين بغداد السابق كانتْ بسبب "تلكؤ" الأمانة في تنفيذ هذه المشاريع، ويقال إنّ أميناً أسبق أقيل بسبب شبهات فساد في المشاريع ذاتها، فاستحقتْ مدينة الصدر أن تكون أكثر المدن إعماراً وتخصيص أموال وإقالة أمناء.
مأساة المدينة نموذج لما فعله الفساد بالعراق. فهذه المدينة منجم دمٍ، وفي كل مناسبة يمرض فيها العراق ويحتاج إلى متبرع كان دم أبنائها يتطابق مع فصيلة دم العراق. لكنها مهملة، متروكة لحظها العاثر الذي جعل من مأساتها سبباً لتكبير أرقام حسابات مصرفية لعديمي الضمير.
بعد كل هذه الأموال وصفقات الفساد، هناك من يريد أن يفتح باباً للهرب من الفضيحة، حين يقترح أنْ تهدّ المدينة كلها وتبنى أخرى في مكان آخر لإيواء ساكنيها، بدعوى أن الإعمار في هذه المدينة المتهالكة لم يعد مجدياً. وقد يأتي يومٌ فيقترحون هدّ العراق بأكمله والتفتيش عن موطن آخر لأنّ هذا العراق لا قدرة لدينا ولا مروءة عندنا ولا ضمير ولا نزاهة عندنا تكفي لإعماره.
مدينة الصدر اختبار حقيقيّ لكل الحكومات الماضية والآتية. من لا يستطيع انتشال هذه الأحياء من قدرها الأسود وجعلها سكناً يليق بمواطنين شرفاء، فهو مخفق فاسد فاشل مهما كان اسمه وصفته.