ديمقراطية الآخرين نظامٌ وديمقراطيتنا كلام

آراء 2022/05/27
...

 اياد مهدي عباس 
 
 في الدول والحكومات التي اتخذت لها من الديمقراطية منهجاً سياسياً واجتماعياً، تحدث أحيانا خلافات بين أحزابها السياسية، وقد ينتج عن هذه الخلافات بعض التأخير أو التلكؤ في جانب من جوانب العمل الحكومي أو البرلماني، لكن من الملاحظ سرعان ما يعود الاتفاق والهدوء إلى المشهد السياسي، عندما تشعر هذه الأحزاب بوجود خطر يمس ثوابتها الوطنية ويهدد أمن بلادها القومي، فتبادر هذه الأحزاب إلى  التخلي عن خلافاتها الحزبية واتخاذها موقفا موحدا أمام تلك المخاطر والتحديات، خصوصاً عندما يكون الخطر حقيقيا ويحتاج إلى موقف حاسم، لأن منشأ هذه الخلافات ليست المصالح الحزبية والشخصية، إنما هي خلافات في وجهات النظر حول تقديم ما هو الأفضل للوطن والمواطن، فتؤدي هذه المواقف الوطنية من قبل تلك الأحزاب السياسية إلى زيادة الزخم المعنوي لاستمرار المنهج الديمقراطي في تلك البلدان ما يزيد من تمسك المجتمعات بمنهجية العمل الديمقراطي، بعد أن شاهدت ثمار تطبيقات المنهج الصحيحة على أرض الواقع  من قبل القائمين عليه، فيعم الاستقرار والازدهار رغم ضجيج الخلافات وحدة الانتقادات بين الأحزاب السياسية فيها.  
بينما المشهد السياسي في العراق نراه مختلفا اختلافا جذرياً عن تلك التجارب الديمقراطية، التي سجلت نجاحات كبيرة في تلك البلدان، على الرغم من أن نظام الحكم في العراق ايضاً نظام
ديمقراطي تعددي، كما نص بذلك الدستور العراقي في مادته الأولى، إلا أن الصراع السياسي المحموم بين الأحزاب والكتل السياسية وعدم الوفاق بينهما وتغليب المصلحة الحزبية والشخصية على المصلحة العامة، كانت هي السمة الأبرز في منهجية العمل السياسي للأحزاب والكتل، التي شاركت في العملية السياسية منذ انطلاقتها بعد سقوط الديكتاتورية في العراق، وإن منشأ هذه الخلافات ليس تقديم ماهو الافضل للمواطن والوطن، بل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة ما أدى ذلك إلى ان يتحول المنهج الديمقراطي من نظام سياسي واجتماعي يسود من خلاله القانون والحرية إلى حكم سلطوي تمارسه الأحزاب والكتل من أجل ضمان مكتسباتها الحزبية والشخصية، فكانت الضحية لهذه الخلافات هو المواطن، فمنذ انتهاء الانتخابات التشريعية الأخيرة في العاشر من تشرين الأول من العام الماضي، لم تستطع القوى السياسية من تشكيل حكومة جديدة، بسبب الصراع على السلطة والهيمنة على مفاصل الدولة، من أجل تحقيق مكاسب حزبية وشخصية ضيقة، لذلك كان الانسداد السياسي والإرباك الاقتصادي والاجتماعي نتيجة طبيعية، بسبب عجز هذه الأحزاب من ايجاد مشتركات وطنية في ما بينها للوصول إلى اتفاق وطني، من أجل تشكيل الحكومة وإنقاذ البلاد من الأخطار المحدقة به، فجاءت مخرجات الانتخابات الأخيرة مخيبة لآمال الناخبين، الذين أدلوا باصواتهم وهم يتطلعون إلى تحسين الوضع السياسي والاجتماعي والخدمي وتجاوز أخطاء المراحل السابقة، خصوصاً بعد التغير الذي طرأ على قانون الانتخابات الأخيرة وإعطاء فرصة للمستقلين للوصول إلى قبة البرلمان، من أجل تصحيح  بعض المسارات في العملية السياسية، ولكن ما حدث هو العكس تماما، فرغم التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد وفي مقدمتها التغير المناخي الخطير وظاهرة التصحر وانخفاض الموارد المائية ونقص الطاقة الكهربائية ومشكلات مالية تتعلق باقرار الموازنة العامة للبلاد، الا أن كل ذلك لم يحل بين الأحزاب السياسية واطماعها في بلوغ أهدافها الشخصية والحزبية .
ما أريد قوله إن عدم محاولة تصحيح المسار السياسي من قبل الأحزاب والكتل المنضوية في العملية السياسية، رغم مضي ما يقرب العقدين من الزمن هو نوع من انواع الفساد وتجاهل لقيمة الوقت وأهميته، لأن عامل الوقت في التجارب الديمقراطية هو عامل مهم في رسم مسارات النجاح والتقدم فيها.