«تكتيك المرجل» وفرصة إمالة الكفة لصالح روسيا

قضايا عربية ودولية 2022/05/29
...

  دان صبّاغ وبيتر بيومونت*
ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
يبدو أن الجيش الروسي قد توصل بعد أسابيع من الإخفاقات والجمود إلى أسلوب يمكنه من التقدم في منطقة الدونباس. يتمثل هذا الأسلوب بدك المواقع دكاً مركزاً بالمدفعية العادية يجبر المدافعين الأوكرانيين المنهكين على التخلي عن مواقعهم.
من النادر أن يفشي "فولوديمير زيلنسكي" معلومات عن أعداد الإصابات بين قواته، ولكن الرئيس الأوكراني صرح مؤخراً بأن ما بين 50 و 100 جندي أوكراني يلقون مصرعهم يومياً على جبهة الدونباس، وهذا معناه ما يقارب 3000 جندي شهرياً في حرب الاستنزاف المروعة هذه.
أما أعداد الجرحى فمن المتوقع مثالياً في هذه الحالة أن تصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف الرقم السابق، وهذه خسائر جسيمة بين صفوف القوات المدافعة عن الدونباس التي قدّرت بنحو 30 ألفاً عند بدء الحرب، ولو أن الرقم المذكور قد ارتفع جراء التعبئة العامة التي شملت أوكرانيا بعد ذلك.
جاء في تقرير حديث لمعهد دراسات الحرب أن القوات الروسية تمكنت في الأسبوع الماضي من فرض سيطرتها على مساحات من الأرض تفوق كل ما حققته محاولاتها السابقة خلال شهر أيار، لاسيما اقترابها من خط الجبهة عند مدينة "سييفيرودونتسك" والقرى القريبة منها.
يقول "سيرهي هيدي" حاكم منطقة لوهانسك الأوكرانية التي يخضع نحو 95 بالمئة منها الآن لسيطرة الروس: "لقد تصاعد قصف مدينة سييفيرودونتسك على نحو مضاعف." ويقدر أن نحو 10 آلاف جندي روسي وما يزيد على 2500 قطعة حربية يشاركون في هذا الهجوم.
نقاط التقدم الروسي ليست باهرة ولكنها تعكس وجود ستراتيجية جديدة. فالمحاولات حتى الآن كانت تركز على عمليات التطويق الواسعة للقوات الأوكرانية في الدونباس، ومن ضمن ذلك العملية الفاشلة لعبور أحد الأنهار في مطلع أيار. لذا أخذت الوحدات تركز بدلاً من ذلك على عمليات تطويق أصغر نطاقاً – يطلق عليها وصف "المراجل" – مع إبقاء التركيز مسلطاً أساساً على سييفيرودونتسك.
يعزز هذه الرؤية ما صرح به "ادوارد باسورين" قائد الميليشيا التي أعلنت من جانبها عن قيام جمهورية موالية لروسيا في دونتسك، حيث قال: إن القوات الروسية تتبع نهجاً يتمثل بعمليات تطويق أصغر نطاقاً لمنع القوات الأوكرانية من الحصول على الإمدادات والتعزيزات، بدلاً من تنفيذ تطويق واحد واسع.
يساعد الجهد الروسي في الدونباس أيضاً قصر خطوط الإمداد عبر الحدود مع روسيا، إلى جانب شبكة كثيفة من خطوط السكك الحديدية في الأجزاء التي تحتلها القوات الموالية لروسيا في لوهانسك منذ 2014. كذلك يتوالى وصول القوات التي سبق الزج بها في المحاولة الفاشلة للسيطرة على كييف.كل هذا الذي ذكرناه جاء في أعقاب تعيين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الجنرال "ألكسندر دفورنيكوف" لقيادة المعركة.
يقول "نيك رينولدز" الخبير بأساليب الحرب البرية في المعهد الملكي: إن الروس قد جنحوا إلى إعادة توجيه عملياتهم بتدرج متصاعد صوب أهداف أكثر تواضعاً، الأمر الذي مكنهم من السيطرة على قرى مثل بوباسنا وروبيشان.
لكن الأمر لا يخلو من متشككين. فكييف، التي يستحوذ عليها القلق، تواصل مناشدة الغرب لتزويدها بأسلحة أعلى قدرة، وأحدث تلك المناشدات طلب تزويدها بمنصات إطلاق صواريخ متعددة بعيدة المدى من طراز "أم 270". وفي يوم الجمعة الماضي بدا أن الولايات المتحدة قد بدأت تميل، بعد أسابيع من التردد، إلى تزويدها بها بعد رفض سابق.
هناك نسخ عدة من "أم270" ولكنها  قادرة على استخدام صواريخ يصل مداها إلى 165 كيلومتراً، في حين يقتصر مدى النسخة البريطانية على 80 كيلومتراً تقريباً. كلتا النسختان المذكورتان تتجاوزان ما كانت تمتلكه أوكرانيا وسوف تمثلان إضافة مهمة لترسانة كييف في وقت تستمر فيه حاجة البلد الملحة إلى الأسلحة الغربية.
تقول "كيرا روديك" النائبة في البرلمان الأوكراني التي تقوم بزيارة لبريطانيا: إن أهم ما تحتاج إليه أوكرانيا هو السلاح، وأن على الغرب ألا يقلل من شأن روسيا بعد. تضيف روديك أن المشكلة الماثلة الان هي أن وصول الأسلحة الغربية الموعودة يتطلب مدة شهرين أو أكثر وهذا يسمح لروسيا بأن تتمتع بميزة تكتيكية.
مشكلة أوكرانيا الأساسية هي أنها  رغم نجاحها في صد الهجمات على كييف وخاركيف في المرحلة الأولى من الحرب المستمرة منذ ثلاثة أشهر لم تفلح بعد في تجريد روسيا من مغانمها على الأرض في الجنوب والشرق.
معنى هذا أنها قد تكبدت خسائر بشرية واقتصادية تفوق بكثير ما تكبدته روسيا. فهنالك ما يقارب 13 مليون نازح بسبب القتال حسب تقديرات الأمم المتحدة، كما أن اقتصادها مرجح له التردي بنسبة 45 بالمئة لهذا العام، وفقاً للبنك الدولي، والبلد عاجز عن موازنة حساباته، فصادراته من الحبوب- التي كان المعتاد أن يشحن 99 بالمئة منها عبر موانئ تسيطر عليها الآن روسيا أو تفرض عليها الحصار- لا تزال في صوامعها وهناك 22 مليون طن منها مهددة بالتعفن.
ربما يكون الاستيلاء على ميناء ماريوبول قد استغرق ثلاثة أشهر، مسفراً عن تدمير المدينة وتهجير أهلها خلال العملية، ولكن الأسبوع الحالي شهد تحرك كاسحات الألغام لتطهير السواحل والميناء الذي تأمل موسكو أن تتمكن من إعادة فتحه لتوفير خط إمداد جديد من روسيا إلى الجنوب المحتل.
الخطر الذي يبقى يهدد أوكرانيا هو أن يكل الغرب وينال منه التعب، أو أن تتفرق كلمته، خصوصاً إذا ما امتد أمد حرب اللاغالب ولا مغلوب إلى السنة التالية. فالدول الأقل خصومة مع روسيا تقليدياً قد تميل إلى اتباع مقترح الدبلوماسي المخضرم "هنري كسنجر" في مؤتمر قمة دافوس هذا الأسبوع الداعي إلى تأمل إمكانية الضغط على أوكرانيا لجعلها تقبل بالتقسيم.
ثمة دلائل تشير إلى أن روسيا راضية عن الوتيرة الحالية لسير الأحداث. ففي يوم الثلاثاء الماضي قال وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو": إن زخم الهجوم قد أبطئ عمداً لتجنب الإصابات بين المدنيين، لكن رغم كثرة الأدلة التي تشهد على عكس ما قال بشأن الضرر الذي يصيب الأوكرانيين العاديين جراء القصف الروسي هناك إشارات أيضاً على أن الروس أخذوا يستعدون لحرب طويلة الأمد.  
*عن صحيفة الغارديان