الرؤساء وزلّات اللسان

قضايا عربية ودولية 2022/05/30
...

علي حسن الفواز
اللغة تتحول إلى خطابٍ عند استعمالها، وعند تحولها إلى واسطة لنقل المواقف والأفكار، والسياسة من أكثر المجالات التي يتحرك فيها الخطاب اللغوي، بوصفه تمثيلاً لتلك الأفكار والمواقف ذات البعد السياسي والأمني، أو للإعلان عن إجراءت أو مناورات تدخل في مواجهة الآخر العدو أو الشريك.
في الصراع المفتوح الذي تتعقّد فواعله السياسية بين روسيا والغرب، حول الموضوع الأوكراني، أو حول مجالات السيطرة على الطاقة  والغذاء تدخل اللغة إلى المجال لتؤشر مدى الاضطراب، ومدى الهوس الذي يعيشه البعض من رؤساء الدول المتحاربة، إذ تكشف "زلَّات اللسان" عن العلامات النفسية لصعوبة صياغة الخطاب وتوجيهه، فالرئيس الأميركي جو بايدن كان الأكثر تورطاً في هذه الزلّات، حيث اتهم في إحداها الرئيس الروسي بوتين بـ"عدم إمكانيته البقاء في السلطة" ليبرر بعدها البيت الأبيض بإنها زلّة لسان، وفي ذات الخطاب وصف الرئيس بوتين بأنه "جزّار" وهو ما أثار غضباً روسياً، وانزعاجاً غربياً.
لكن الأكثر غرابة كان في خطابه الأخير خلال حفل تخرج خريجي الأكاديمية البحرية الأميركية، والذي تضمن إشارة إلى كوريا الشمالية، زاعماً أنها تقف مع الولايات المتحدة ضد روسيا، وهو يقصد كوريا الجنوبية، في الوقت الذي كان مجلس الأمن يناقش فرض عقوبات مشددة على نظام كيم جونغ اون بسبب تغوّل تجاربه الصاروخية، وتهديده للأمن في شرق آسيا.
علاقة زلّات اللسان الرئاسية بالسياسة تعكس– في جوهرها- أزمةً عميقة في إدارة الصراع، وصعوبةً في صياغة الرئيس للخطاب، مثلما تعكس "وعياً كامناً" مرتبكاً، وموهوماً بفكرة الانتصار على العدو، حيث تتضخم اللغة الخطاب، وحيث تشتبك الأفكار وتتشظى في سياق مواجهة الآخر، فضلاً عن ماتعكسه من تشوش في التعاطي مع المعلومات الأمنية والسياسية، وفقدان القدرة على تأطيرها في  سياقِ خطابٍ له استعاراته، مجازاته، وأهدافه ودقة معلوماته ووضوحها.