إله واحد

العراق 2022/05/31
...

أحمد عبد الحسين
 
يَنسب إلى شارل ديغول قوله "السياسة أخطر بكثيرٍ من أن تُترك للسياسيين وحدهم". والأمر كذلك حقاً، برغم أن السياسيّ يجتهد على أن يخلي محيطه من أيّ متسائلٍ يعكّر مزاجه أو ناقدٍ يكسر سلطانه على نفسه، أو مشكّكٍ يثبت له أنه أقلّ ملائكيّة مما يظنّ.
الوضع المثاليّ للسياسيّ هو أنْ لا يُجبه بردّ وأن لا يُصار إلى تخطئته وأن يُترك وما يشتهي ليفعل ما يشاء. وكثير منهم يستسلم لهذه الرغبة التي إنْ تحققتْ حدثتْ الكارثة، سيتحوّل ـ كما كلكامش ـ من إنسان حاكم "مذكور في سجلّ الملوك" إلى كائن ثلثاه إله وثلثه الآخر بشر "كما هو مدوّن في الملحمة" ثم أخيراً إلى ربّ يُعبد "في عهد أوتو حيكال عُبد بوصفه الإله الراعي". أو كما فرعون في النص القرآنيّ، كان مجرد ملك "يا قوم أليس لي ملكُ مصر.."، ثم أصبح نصف إله "ما أريكم إلا ما أرى"، ثم تحوّل إلى إله بين آلهة لكنه الأعلى "أنا ربّكم الأعلى"، ثم أخيراً صار الإله الأوحد "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري". وبقي وحيداً مثل كلب أجرب.
رأفةً به، وحرصاً على أنْ لا ينتهي هذه النهاية المخزية ينبغي على السياسيّ أنْ يسمح للمشاغبين بالإشارة إلى اللطخة السوداء في ثيابه، ثياب الملاك!
في ديمقراطيات العالم، ما من فرعون ولا كلكامش. ومن تحدّثه نفسه بأنْ يبدأ سلسلة تحوّلاته المفضية إلى الألوهة سينتهي شيطاناً رجيماً على الفضائيات ووسائل التواصل والصحف. سيُسخر منه ويصبح هزأة، ودونكم ما فُعل بترامب الذي لم يردْ أن يرى من يقوم بتخطئته فأصبح كومة أخطاء. لكنْ في الديمقراطيّات المشكوك بها كديمقراطيتنا، تسهل صناعة أنصاف الآلهة سريعاً، يكفي أنْ يُخلي أحدهم محيطه الأقرب ممن يعترض أو ينتقد لتبدأ رحلته صعوداً إلى الربوبيّة.
مادّة السياسيّ المال والسلطان، وكلاهما خمر مسكر يقول هل من مزيد، إذ لا موضوع للمال إلا زيادة المال، كما لا موضوع للسلطة إلا زيادة التسلّط، فإنْ لم يكن لديك من يوقظك من سكرتك فأنت على شفا أن تكون مسخاً.
النقدُ ـ حتى القاسي منه ـ ليس ترفاً. إنه إنقاذ لنا نحن البشر من آلهةٍ مستعدين لأن يهجموا علينا بكامل مالهم وسلطانهم وسلاحهم.
يكفينا إله واحد رحمن رحيم نعبده!