يعد حق الحياة من الحقوق الأساسية للإنسان ويتبع هذا الحق مجموعة من الحقوق وفي مقدمتها حق الإنسان في البيئة، وقد يكون شح المياه والجفاف مشكلة كبيرة في العراق، خصوصا أن الطقس فيه يتميز بارتفاع درجات الحرارة، التي تصل إلى 50 درجة مئوية. ولقد أسهم انخفاض نسبة الأمطار وتزايد موجات الجفاف والعواصف الرملية في الآونة الأخيرة في تفاقم حدة هذه المشكلة، وزيادة المعاناة لدى المواطنين، إضافة إلى جملة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والنفسيَّة والصحيَّة السلبيَّة الناتجة عنه.
وبسبب شح الخزين المائي وعدم التوصل لاتفاق مع دول المصب لنهري دجلة والفرات لمعالجة أزمة المياه، التي قد تصل ذروتها خلال الأعوام الخمسة القادمة مع زيادة كبيرة في تكرار العواصف الرملية، بالتالي كان لزاما البحث عن حلولٍ عمليَّة وعاجلة لمعالجة هذه المشكلات، ومن الحلول المطروحة بقوة حاليا لعلاج قلة نسبة الإمطار وحدة الجفاف عموما، هو استمرار السحب صناعيا وتحفيزها على إسقاط محتواها من بخار الماء والمياه الكامنة فيها.
ولقد بدأ بالفعل تطبيق هذا النهج في أكثر من دولة عربية مثل السعودية والإمارات وعُمان والمغرب وأخيرا الأردن، وآخر تجربة للاستمطار كانت في الشهر الرابع الماضي في الإمارات .
والاستمطار الصّناعي هو عملية تغيير متعمدة على الطقس بحيث يتم استثارة السحب وتحفيزها لإسقاط محتواها من المياه الكامنة بها، أو الثلوج المتجمدة فوق مناطق جغرافية محددة، وذلك من خلال عوامل كيميائيّة أو بيولوجية محددة، يتم إسقاطها في كتلة السحابة؛ بهدف زيادة كثافة السحابة، وزيادة كثافة بخار الماء الذي يسقط في ما بعد على هيئة مطر وثلج.
وتقنيا، يمكن أن تتم عملية الاستمطار بأكثر من طريقة، لكن الطريقة الأكثر شيوعا تتمثل في حقن السحب الركامية بمادة يوديد الفضة، وبعض المركبات الأخرى أو الأملاح الشائعة بما يعمل على زيادة كثافة هذه السحب، وتحويل قطرات الماء الموجودة داخلها إلى بلورات ثلجية ثقيلة، تنهمر بدورها بفعل هذا التثاقل نحو الأرض، حيث يتسبب ارتفاع درجة الحرارة قرب السطح في إعادتها ثانية للحالة السائلة وتساقطها في هيئة
مطر. وفضلا عن يوديد الفضة، يعدّ ثاني أكسيد الكربون المُجمَّد أو ما يعرف باسم “الثلج الجاف” والأملاح الرطبة، خاصة كلوريدات الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم، من أكثر المواد الكيميائية شيوعا، واستخداما في عملية استمطار السحب.
كما تتنوع الوسائل والآليات المستخدمة في عملية حقن أو بذر السحب بين استخدام الطائرات والصواريخ، وهذا في حالة الحقن الجوي، أو استخدام مضادات الطائرات وأجهزة أرضية ومولدات خاصة في حالة الحقن الأرضي، حيث تستخدم مضادات الطائرات في إطلاق قذائف محملة بملح الفضة بطريقة مشابهة لإطلاق الألعاب النارية، في حين تستخدم المولدات الأرضية في توليد كميات من بخار الماء المشبع بيوديد الفضة، والتي تتولى بعد ذلك تيارات الهواء الصاعدة حملها إلى أعلى حيث مناطق تجمع السحب.
ويتطلب نجاح عملية الاستمطار وتحقيق الأهداف المرجوة منها توافر أكثر من ظرف وعامل ملائم، مثل أن تكون السحب الركامية وانتشارها على مساحات معينة، ووجود تيارات الهواء الصاعد والمحمل بالرطوبة أو بخار الماء، إضافة إلى إتمام عملية الحقن في الوقت المناسب، وحقن كمية مناسبة من المواد الكيميائية المحفزة تكفي لسقوط
المطر.
وتكمن اهمية الاستمطار الصناعي، بان هناك بعض الفوائد التي يمكن تحقيقها من وراء هذه التقنية الحديثة، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
1 - وفرة المياه:
وهذا أمر منطقي، فمن خلال هذه الطريقة لن يتم تحقيق وفرة في المياه فحسب، بل ربما يتم الاستغناء بها عن المياه الطبيعية الأخرى، واستخدامها في مجالات أخرى.
2 - زيادة المساحات المزروعة:
إذ سيتم استخدام هذه المياه التي يتم الحصول عليها بشكل صناعي في تخضير الكثير من الصحارى، وهو الأمر الذي سيكون له فوائد اقتصادية وبيئية شتى.
3 - نمو القطاع الزراعي:
وإذا كانت هذه المياه ستسهم في تكثيف وتعظيم المساحات الخضراء المزروعة، فإن هذا سوف يعود بالإيجاب على القطاع الزراعي بشكل عام.
4 - تنوع المصادر المائية:
وهو الأمر الذي يعني أن هذه الطريقة ستسهم في مواجهة مخاطر الجفاف، وندرة المياه في المناطق التي تهددها هذه الأخطار.
5 - تخفيف موجات الغبار:
من البديهي أن زيادة نسب الأمطار ستسهم، وبشكل رئيس، في التخفيف من الموجات الترابية، وآثار العواصف المختلفة.
6 - تحقيق بعض الأهداف الستراتيجية سواء أكانت بعيدة أو قصيرة المدى، مثل زيادة كثافة الغطاء النباتي الصالح للرعي، وإعادة ملء السدود، وزيادة مخزون المياه الجوفية، وتقليل حدوث الأعاصير، وتطهير الأجواء وتغيير الطقس وزيادة عملية البناء الضوئي وزيادة وصول أشعة الشمس إلى
الأرض. وبالنسبة لكلفة الاستمطار الصناعي فهي قليلة جدا قياسا للحلول الاخرى، فمثلا جميع استمطار (25) سحابة يصل إلى 3 الاف دولار فقط مع نتائج مضمونة بنسبة 100 %، وحسب المختصين فإن العراق سيقطف ثمار ذلك خلال فترة شهرين فقط مع انخفاض مستمر لدرجات الحرارة، يصل إلى ٣٥ في اوج فصل الصيف مع اكتفاء تام لخزين ستراتيجي للمياه خلال عام.
وهذا يقتضي ان يتخذ مجلس الوزراء قرارا استثنائيا بالبدء بهذا المشروع الحيوي لانقاذ العراق من ازمته البيئية.