ماهر عبد جودة
السياسي وتداعياته السيئة في فترات الاستعصاء وتشنج المواقف السياسية وتصلبها، وانعدام المرونة، وغلبة شبح الأيديولوجيات، والتدخلات الخارجية، تبرز العديد من التساؤلات وتتبلور الكثير من المواقف، لدى نخب المجتمع وصفوته وعموم أبناء الشعب، ويبدو واضحا وجليا حقيقة مواقف القوى السياسية، وطبيعة حراكها، إن كان وطنيا مخلصا، أو من أجل مصالح ضيقة.
وما نحن بصدده اليوم، ويشغل كل أبناء الشعب، ويثير قلقهم ومخاوفهم وعدم ثقتهم بالعملية السياسية الديمقراطية في العراق، هو الصراع السياسي القائم بين أطراف العملية السياسية، وانعدام الاتفاق على الحد الأدنى من المشتركات الوطنية، وتشبث الجميع بما يؤمن به، دون مرعاة مصالح عموم الشعب وتحقيق مطامحه، أدت كل تلك السلوكيات السياسية الخاطئة إلى عدم تشكيل حكومة، رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية، ووصول المشهد السياسي إلى ما سمي بالانسداد.
من خلال متابعاتنا اليومية لنشرات الأخبار المحلية والعربية والعالمية، وما يجري خصوصا في البلدان الديمقراطية، أنها بعد انتهاء أي انتخابات، تعلن النتائج خلال ساعات، بعدها ويكلف الفائز حزبا أو ائتلافا بتشكيل الحكومة، بينما يذهب الخاسرون إلى المعارضة، دون اعتراضات أو ضجيج أو افتعال ازمات لا مبرر لها، كذلك نجد أن هناك أطرا ومعاير شفافة ترسم الخارطة السياسية لتلك الدول قائمة أساسا على تطبيق الدستور والقانون والوحدة الوطنية والعيش والمصالح المشتركة، والدفاع عن مصالح الجماهير وتحقيق طموحاتها في التقدم والازدهار، بعيدا عن تدخلات الثقافات الفرعية في الشأن السياسي العام، سواء أكانت دينيّة أو طائفيَّة أو قوميَّة.
تأملنا خيرا هذه المرة، بعد إن أفرزت الانتخابات البرلمانية، طبقة سياسية جديدة، هم المستقلون وبعدد مقاعد لايستهان بها، يمكن أن تكون بداية موفقه لاختراق المشهد السياسي المألوف والفاشل، خصوصا أن اغلب هؤلاء المستقلين قد خرجوا من رحم تشرين، ومن عذابات الشباب ومعاناتهم في كل مدن العراق، لكن قسما منهم ويا للأسف، لم يكن أداؤه مقنعا البتة، وكان مساهما فعّالا في الانسداد والجمود الذي شهدته العملية السياسية، ولم يكن لديه أي شيء مما يمكن تسميته بالاستقلال أو الإرادة الوطنية الحرة، غير المستقطبة وغير الخاضعة للصراعات الأيديولوجية والطائفية والحزبية، وهذا ما أربك الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن العام، بعد فرحة وابتهاجه بوصولهم إلى قبة البرلمان.
الذي نراه اليوم، والذي لا نملك غيره لتقديمه للطبقة السياسية، نصيحة لها لتدارك فشلها وللارتقاء بأدائها نحو الافضل، ألا تعيد تجربة فاشلة في إدارة البلد، كانت لها مساوئها، والسبب في انتشار الفساد ونهب خيرات البلد، واضاعة هيبة الدولة، وتغوّل الجماعات المسلحة، وأن تعتمد الانفتاح والليبرالية والإيمان بالآخر، وأن تنزع عن تفكيرها أي أثر أيديولوجي وبأي شكلٍ كان، واعتماد صفة المواطنة أساسا لبناء المجتمع والدولة، وتحديث الاقتصاد وتنمية القطاعات الإنتاجية، والاهتمام بالتعليم وخصوصا الابتدائي منه، والعدالة في توزيع الثروة وغيرها من الضرورات في بناء الدولة
الحديثة.
برغم كل الذي سقناه وذكرناه في مقالتنا هذه، فإننا لم نشعر باليأس مطلقا، وما زلنا نتحلى بأعلى مشاعر الأمل، بأن هذا الاستعصاء السياسي سيزول حتما، وفي القريب العاجل، خصوصا بعد التقارب الذي حصل بين الحزبين الكردين الكبيرين وباقي الأحزاب الصغيره، وما حصل بينهما من جولات حوار حول مرشح رئيس الجمهورية وباقي النقاط الخلافية والعالقة، كذلك فإن تدخل المبعوثة الأممية بلاسخارت، ومحاولاتها تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وضغط الشارع ووسائل الإعلام المختلفة مجمل المعطيات التي أشرنا لها ستدفع الكثير من القوى السياسية إلى التراجع عن مواقفها السابقة، والالتزام بالثوابت الوطنية والمشروع الوطني العراقي، الذي عانى الكثير، بسبب سياسات المحاصصة والتوافق الفاشلة، وعلى خلفيات لم تقنع المواطن العراقي، ولم تجعله واثقا أو مؤمنا بكل السلوكيات السياسية
السابقة.