بيروت : جبار عودة الخطاط
جاءت نتائج انتخابات هيئة رئاسة مجلس النواب اللبناني لتؤكد بشكل واضح أنه ما من أغلبيَّة يمكن الإشارة إليها في توليفة المجلس الجديدة وأنَّ (الأغلبيَّة) التي تحدّث عنها زعيم حزب القوات سمير جعجع لم تكن حاضرةً في مشهد انتخاب بري وبوصعب، بينما شدّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على أنَّ ما سماها بالأغلبية الجديدة مُنيت بالهزيمة وطالب بلملمة الصفوف لصياغة برنامج للقوى المناوئة لفريق 8 آذار وأبرز قواه السياسية حزب الله، بدوره أكد النائب جورج عقيص أنَّ "الأكثرية لم تتضح بعد"! في وقت ذكر فيه تقرير للبنك الدولي أنَّ إخفاق ساسة لبنان في علاج الأزمات يعرض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط!
وإذا كان ثمة ما يمكن تلمسه في جلسة انتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب اللبناني فهو التنسيق الجيد الذي اتسم به الأداء السياسي لفريق 8 آذار وتجاوزه الخلافات المعروفة بين أطرافه ولاسيما بين التيار الوطني الحر وحركة أمل وهو ما انعكس إيجاباً على عملية انتخاب رئيس المجلس ونائبه، بينما بدا الفريق الآخر كلٌّ يغني على ليلاه فخسر أول مواجهة مع غريمه السياسي، وقد كانت لافتة لدى المراقبين الضحكة التي أطلقها رئيس المجلس نبيه بري لدى مصافحته رئيس كتلة حزب الله في المجلس النائب محمد رعد أثناء مراسيم تقديم التهاني لبري وبوصعب وقد أسماها الكثير من الناشطين بـ(ضحكة الانتصار) وانتشرت بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، بينما طالبت فعاليات سياسية وازنة بضرورة تقييم ما حصل في جلسة انتخاب بري وبوصعب واستخلاص العبر مما جرى من خلال دراسة النقاط التي تحول دون اندماج القوى السياسية التي تصطف في الجهة المقابلة لفريق 8 آذار في وقت غاب فيه المؤثر النيابي (السني) بعد حالة التشظي التي باتت تعاني منها (الساحة السنية) بعد اعتكاف الزعيم الأبرز فيه سعد الحريري، في السياق كانت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تعليقة لافتة إزاء مشهد فوز بري وبوصعب في الجلسة الافتتاحية للبرلمان اللبناني حيث أشار في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمس الأربعاء، إلى أنه "بعد هزيمة أمس (الأول) للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس المجلس نتيجة سوء التنسيق، قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية الإيرانية التي (للتذكير) ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم أحداً".
في حين اعتبر النائب أشرف ريفي أنَّ "جلسة أمس (الأول) باتت تستدعي حاجة ماسة للتنسيق بين المكونات التي تؤمن ببناء الدولة، بالتفاهم على العناوين الوطنية التي لا خلاف عليها"، وأضاف أنَّ "هناك الكثير من الشخصيات التي تتمتع بالمصداقية والاحترام والقادرة على التواصل مع الجميع، والتي تستطيع لعب دور في هذا المجال"، وشدد على أنَّ "إنقاذ لبنان يحتم هذا التنسيق"، فيما أكد النائب سليم الصايغ أنَّ "التجربة الأولى للنواب أثبتت أنَّ هناك سوء تنسيق بينهم، بالوقت الذي توجد فيه كتل نيابية متفقة مع بعضها، وانتخاب بري لم يكن ليحصل لولا دعم التيار الوطني الحر المباشر فالمطلوب كان ألا يخسر وألا يربح بأصوات كبيرة"، وأضاف أنَّ "هناك بعض النواب المحسوبين على التغييريين لديهم علاقة مباشرة مع الياس بوصعب، ما يدل على أنَّ هناك حسابات شخصية تتغلب على الحسابات السياسية"، وعن نتيجة انتخاب بري وبوصعب، أشار إلى أنه "لا يمكن بعد اليوم الحديث عن أغلبية ساحقة وصلبة ولا يمكن الحديث عن أقلية مغلوب على أمرها"، من جهته النائب عن القوات اللبنانية جورج عقيص "الأكثرية لم تتضح بعد.. لم يكن هناك منافس لبري، ومع ذلك وصل إلى الرئاسة بشقّ الأنفس نتيجة اتفاق معدّ سلفاً. إدارة معركة نائب الرئيس كانت سيئة نتيجة عوامل عدة، فجاء أيضاً بالنتيجة عينها. فلنوقف تبادل الاتهامات ولنحاول مرة أخرى، إكراماً للشعب، تظهير الأكثرية. اليد من هنا لا تزال ممدودة".
في غضون ذلك أعلن البنك الدولي أمس الأربعاء في تقرير له بشأن تقييم أداء الطبقة السياسية في لبنان في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد أنه "على الرغم من التحذيرات المبكرة، أضاع لبنان وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي. إنَّ تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس فقط على الحياة اليومية للمواطنين، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني. وبعد مرور عامين ونصف العام على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي، يحول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق. وينطوي استمرار التأخير المتعمّد في معالجة أسباب الأزمة، على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة، وتعريض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط".