كاظم صبار العبودي
يَصعبُ على العقل العراقي تقبل الخسارة، مهما كان حجم تلك الخسارة ومبرراتها ومدى الضرر الناتج عنها، وانعكست تلك الثقافة بصورة جلية وواضحة على العملية السياسيَّة العراقية، فلم يقبل ذلك العقل بالخسارة الانتخابية مطلقاً، وراح يبحث عن الاعذار لتبريرها والالتفاف عليها أو انكارها، معلناً التزوير مرة وذم القانون الانتخابي الذي وضعهُ بيدهِ وصوت عليه مرة أخرى، وبغية تبرير تواجده في العملية السياسيَّة كفائز، اوجد له كياناً سياسياً عاماً قومياً كان أو طائفياً، وراح يطالب بالاستحقاق الدستوري لذلك المكون، وصدرَ نفسهُ مدافعاً وحامياً له، ومتكلماً باسمهِ، مطالباً باستحقاقهِ الدستوري، سعياً منه في أن يبقى أباً شرعياً ووريثاً للمكون، ما يجعله فائزاً مهما تكررت خساراته وعظُمت خيباته، وما دفعهُ ليس حباً بالمكون، الذي طالما خذله وجعلَ منهُ سبباً لنعمتهِ و تواجده الدائم على كرسي السلطة، رغم تعدد تجاربه الفاشلة، بل هدفه البقاء في السلطة فائزاً وإن خسر.
وتلك الثقافة أو العقلية لم تكن لدى سياسيي مكونٍ عراقيٍ بعينهِ، بل لدى كل سياسيي المكونات العراقية، وما أن يستقل أحد أبناء تلك المكونات بمشروعهِ مستقلاً بذاتهِ، حتى يُتهم بالتمردِ والخروج عن طاعة الأب التي، توجب رجمه بسيل من الاتهامات وانزال شتى اللعنات بعد أن عقَّ أباه، وتنفذ ذلك الالتفاف الأحزاب والكتل الخاسرة انتخابياً، وترفعُ شعاراً ننجو معاً او نغرق معاً، ما عطّل تشكيل الحكومة سبعة اشهر بلياليها، وقبلها انتخاب رئيس الجمهورية، ما شكّل تعدياً خطيراً على الدستور، الذي يستخدم كأداة في عرقلة اكتمال النصاب البرلماني، إن ما يسنّه الساسة من تعنت وضغوطات يُشكل خطراً كبيراً يلمُ بالبلد، بجعل تلك الضغوط إسلوباً للابتزاز السياسي لدورات انتخابية مقبلة، كما أن عدم السماح للقوى الفائزة بتنفيذ برامجها وتحمل المسؤولية الكاملة عنها، يحيل العملية الديمقراطية إلى دكتاتورية مشرعة، عبر فرض الارادات ولي العظم باستخدام الدستور، وبالتالي استحالة إنتاج اصلاح سياسي وايجاد لون جديد في إدارة الدولة أو إرادة جديدة حالياً أو مستقبلاً، كذلك ممارسة الضغط ليكون الجميع فائزاً تحت شعار حق المكون.
ما يُعد نقضاً للانتخابات برمتها وعدم جدواها في تحقيق تطلعات الشعب بالتغيير والإصلاح، وما طالبت به الجماهير في احتجاجاتها، التي نتجَ عنها اقالة الحكومة السابقة وتكليف أخرى، مهمتها اجراء انتخابات مبكرة، التي لم تعد مبكرة في يومنا هذا، بحكم عدم بلوغ نتائجها بتشكيل حكومة جديدة، رغم مضي أربع سنوات عن الانتخابات
السابقة.