جدليَّة الإصلاح في العراق: إصلاح مجتمع أم دولة؟

آراء 2022/06/03
...

  د. طارق عبد الحافظ الزبيدي 
أكاديمياً قد يعترض البعض كون المجتمع هو جزء من الدولة. ولكن هذا صحيح اذا كان الحديث عن المجتمع، بوصفة أفرادا وليس منظومة قيمية. ولذلك فان الفصل الذي ذكر في العنوان يستهدف الفرق بين البعدين المجتمعي (المجتمع) والمؤسساتي (الدولة) في الإصلاح. والتساؤل الجدلي لمن الاولوية في الإصلاح، هل للمجتمع أم للمؤسسات. والتساؤل الآخر، هل الإصلاح يفترض أن يبدأ من الأعلى إلى الأدنى (النخب ثم العامة) أم العكس؟. وغيرها من التساؤلات الكثيرة، التي تثار خاصة في العراق الذي يعاني من مشكلات كثيرة ومتعددة. 
وليست مبالغة اذا ما قلنا إن العراق يحتاج الإصلاح في جميع المفاصل السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيّة والأمنيّة والرياضيَّة والفنيَّة وغيرها.
من اين نبدأ؟
تساؤل مهم و جوهري.
هل نبدأ من إصلاح مؤسسات الدولة، ام نبدأ من اصلاح المنظومة المجتمعية للأفراد؟. 
ولكل خيار منهما تبعات ومتطلبات.
حيث إن بعض الخيارات الإصلاحية المجتمعية تحتاج لوقت كبير.
كون الثقافات المجتمعية تحتاج إلى البدء بالتنشئة لجيل جديد قد يقود الدولة والمجتمع في المستقبل.
بالرغم من المشكلات التي عانى منها العراق منذ تأسيس الدولة العراق 1920.
 ولكن المشكلات التي ظهرت وبرزت ما بعد 2003 اصبحت دلالاتها واضحة وانعكاساتها مؤثرة.
مما استوجب الوقوف عليها ودراستها من قبل جميع المختصين.
وللدلالة وجودها كل المجتمع وكل النخب السياسيَّة والدينية، أخذت تطالب بضرورة الإصلاح.
وحتى الكتل والأحزاب السياسيَّة، جعلت من شعار الإصلاح شعاراً انتخابياً وبرنامجاً حكومياً، تحاول من خلاله التنافس مع الكتل الاخرى على تحقيقه، بل أخذت الأحزاب السياسيَّة المعارضة تستعمل فكرة الإصلاح كورقة ضاغطة ضد كل الأحزاب، التي تسلمت السلطة (كونها فشلت في تحقيق الإصلاح)، أو تلك التي ترغب باستلامها (كونها على المحك في مدى جدية الإصلاح).
وبالانتقال من الجانب النظري إلى الجانب التطبيق العملي، كون المواطن العراقي بشكل عام والقارئ الكريم بشكل خاص، اصبح لديه مللٌ من الحديث عن الإصلاح. 
بل هناك إحباط كبير، خاصة أن الكتابات كثيرة والاجراءات قليلة، بل احياناً شبه معدومة.
وهنا نتساءل عن امكانية توافر المصلح، الذي تقع على عاتقه مهمة اجراء الإصلاح الشامل في العراق.
ولو افترضنا جدلا أن المصلح موجود وجاهز، التساؤل الأهم هل أدواته متوفرة.
الجواب مع الأسف كلا. 
والجواب بالسلب ليس من باب التشاؤم، بل هناك عدد من الأدلة ممكن أن نذكر أبرزها تدل على عدم توفر أدواته:
 - دستورياً في العراق الإصلاح يحتاج إلى تعديل الدستور.
ولكن الدستور لايمكن تعديله كونه شبه جامد، لأسباب كثيرة لا محل لذكرها.
 - برلمانياً في العراق الإصلاح في العراق يحتاج إلى تفعيل فكرة المعارضة السياسيَّة وتشكيل حكومة اغلبية سياسيَّة.
ولكن هذا غير ممكن، كون هناك من يعتقد أن الوضع الحالي غير مناسب لذلك.
 - سياسياً في العراق الإصلاح يحتاج أن يكون هناك تنافس انتخابي وسياسي وتعاون بين الفائز والخاسر، من أجل خدمة الشعب، بغض النظر عن دينه أو قوميته أو طائفته أو انتمائه الحزبي.
ولكن التنافس المفترض تحول إلى صراع أسهم في ضعف مؤسسات الدولة وتأخر تشكيلها.
 - اقتصادياً في العراق الإصلاح يحتاج إلى مكافحة الفساد المالي والاداري.
ولكن مع الأسف هناك صعوبة في تحقيق ذلك، كون  الفاسد محترفا، ويحاول أن يبرر فساده سياسياً أو دينياً او ادارياً.
لذلك فإن الإصلاح يحتاج إلى محقق وقاضٍ أكثر احترافية، ولديه دعم قانوني وسياسي وشعبي لتحقيق أهدافه. 
 - مجتمعياً في العراق الإصلاح يحتاج لتكاتف الافراد ومساعدتهم ومساندتهم لاي جهد يساهم في الإصلاح.
ولكن بعض المواطنين في العراق مع الأسف، وأؤكد البعض وليس الجميع يرغبون بالإصلاح نظرياً، ولكن فعلياً هم ضد الإصلاح.
وقد يتحفظ البعض على هذه العبارة، ولكن الحق يقال إن الفرد شريك أساسيٌّ في أي عملية إصلاحية.
فلا يمكن الحديث عن الإصلاح في ظل وجود التجاوزات على مؤسسات وأموال الدولة، بل البعض يحاول أن يجد له فرصة الحصول على المنافع غير الشرعية، في ظل غياب او ضعف الدولة، وبالتالي سيكون أول المتضررين من تقوية مؤسسات الدولة، ما يجعله يعمل على رفض أي عملية إصلاح، حتى وإن ساندها نظرياً، لكنه عملياً هو ضدها.
فضلا عن ان هناك بعض المنظومات القيمية في المجتمع تسهم في تعثر بناء دولة المؤسسات وايجادها. 
في خاتمة القول إن العراق يحتاج إلى طريقين متوازيين في الإصلاح.
الأول موجه للمجتمع، والثاني موجه إلى مؤسسات الدولة (تشريعية – تنفيذية – قضائية).
ونعتقد أن الاول أهم من الثاني.
كون المجتمع شريكاً أساسياً في أي عملية اصلاح حالية او مستقبلية.
 
 كلية العلوم السياسيَّة/ جامعة بغداد