مشروع بناء الوعي الاجتماعي عند الشهيد السيد محمد الصدر

آراء 2022/06/03
...

  حازم رعد 
 
لكلِ حراك يروم تشييد أبنيته الفاعلون المهمون في داخل الفضاء الاجتماعي أو الديني تكون الغاية منه تحقيق هدف ستراتيجي أو جملة من الأهداف المرحلية بتوسط منهج واستخدام مجموعة وسائل وأدوات مخطط لها ومهيأ برؤية متكاملة المعالم تمثل فلسفة المشروع المراد إرساء معالمه وتحقيقه ، وعلى أساس هذه المقدمة كان للسيد الشهيد محمد الصدر الذي نعيش ذكرى شهادته مشروع اجتماعي نهضوي من خلال الحراك الضخم الذي أدار رحاه في تلك المرحلة المهمة من تاريخ العراق ويمكن لنا أن نلخص معالم ذلك المشروع بعدد من المقاربات نجد أهمها.
 
- محاولة إيجاد صلة بين المجتمع والحوزة العلمية تمثلت بالدرجة الأساس في إقامة صلاة الجمعة (التي تعتبر اجتماعا أسبوعيا بين المؤمنين بهذا المشروع الجديد) من ثم عمد الى فتح منافذ أخرى كالمكاتب الدينية والمحاكم الشرعية بأغلب المحافظات العراقية، فقد أدرك أن سر ضعف الحوزة العلمية وضمور وعي الشارع وغياب بوصلته انما كان سببه تلك القطيعة وعدم وجود جهة اتصال بين الحوزة والمجتمع.
 
-كسر الرتابة والطريقة الكلاسيكية المعهودة في الفضاء الديني الامامي بمختلف القطاعات حيث عمد إلى التجديد في واقع الحوزة من خلال إيلاء اهتمام متزايد بالطلبة والمدارس الحوزوية وتجديد المناهج والاهتمام بالدرس من حيث تقليل أيام التعطيل وزيادة الحصص للدروس وتنويعها وإدخال المنهج الأكاديمي للحوزة العلمية عن طريق نافذة جامعة الصدر الدينية ، كما أنه لم يخضع للذائقة العامة التي كانت الحوزات العلمية قد اعتادت عليها من حيث العزلة عن المجتمع لتحتفظ لنفسها بلون من القدسية والمهابة الاجتماعية أما الشهيد الصدر فلم يرعو لهذه الأسلوبية المتبعة بل تجاوزها ليحدث وصلاً بين فئات اجتماعية مختلفة معه من حيث تبادل الزيارات والاستقبال المستمر في البراني وإرسال الوفود ممثلةً بأبنائه إلى المحافظات والدعوة إلى عقد بعض الملتقيات الثقافية كالمسابقات الشعرية ومعرض للفن والرسم والمنحوتات وغيرها من الوسائل الأخرى.
 
-كسر حاجز الخوف الذي استوطن لعقود في قلوب العراقيين من خلال دفعهم بالتدريج للنضال الاجتماعي والمباشرة مع بعض الشعائر والطقوس كالفتوى بوجود السير على الأقدام إلى كربلاء المقدسة لزيارة الحسين <ع> فكانت تحب له إحياء هذه الشعيرة التي عفا عليها الزمن، وإقامة صلوات الجمعة في عموم البلاد وتحدي النظام بالمواظبة على أدائها وإقامتها.
 
-محاولة إيجاد قراءات جديدة لمشروعات المدرسة الامامية من خلال تأويل ورسم فلسفة جديدة في قراءة تاريخ الغيبة الكبرى وارتباطها الاعدادي باليوم السعيد للبشرية وبيان معالم التخطيط الالهي للظهور وآلية العمل على تهيئة مناخاته المناسبة وتوطين قواعد بشرية وفق محتملات مستوحاة من النصوص الدينية مهمتها الانتظار الإيجابي. 
وبذلك يحقق أمرين إيجابيين هما إعداد جيل من الشباب الواعي بمسؤوليته الشرعية والاجتماعية وكذلك التمهيد لليوم السعيد الموعود وفق أطروحة إقامة دولة  “يوتوبية” بتواريخ وإعدادات واقعية.
 
-اثخان المكتبة الاسلامية والعامة بمختلف الكتب والدراسات ليرفع من مستوى الوعي الديني والاجتماعي ويصنع جيلا قارئا يفتح أمامه نافذه التساؤل وطرح الاشكالات والاستفهامات من خلال تبنيه منهج الاطروحة والاحتمالات في الاجابة عن أكثر المسائل جدلاً في الفضاء الديني والامامي على وجه التحديد ومن ثم إعادة تشكيل الهوية الدينية الواعية لفئات مختلفة من المجتمع العراقي.
 
-توسعة الانفتاح على فئات اجتماعية داخل المنظومة الاجتماعية العراقية بدءاً من أهل السنة والجماعة من خلال مد يد الصداقة والعلاقة وإقامة صلوات جمعة وجماعة مشتركة وزيارات متبادلة مروراً بدعوة القضاة والأطباء وموظفي الدولة للاستجابة لنداء الجمعة وحضورها وصولاً الى فئات مهمشة كالغجر وغيرهم ممن يعتبرون الحلقات الأضعف داخل الاجتماعي العراقي ، فهو من خلال ذلك يريد الانفتاح بمشروعه على مساحة أوسع وميدان أكبر ليشمل جميع الفئات ومن ذلك يتبين أن مشروعه اجتماعي بالدرجة الأساس فهو (لم يرد من الناس تغيير مذاهبهم وأديانهم بل كل ما أراده أن يكونوا طيبين متحابين تجمعهم الألفة والمودة) وبذلك حقق الوحدة والتضامن بين فئات الشعب العراقي.
عمل الشهيد الصدر بجد وإخلاص ومثابرة حيث سابق الزمن وغالب الأحداث ودخل في مباراة صعبة مع الظروف والعقبات يتخطاها الواحدة تلو الأخرى لتحقيق غاياته المنشودة التي لو شئنا لخصناها بكونها دينية اجتماعية بمقدمات ثورية تجاوزت الكلاسيكية والرتابة المعهودة مما ادخله ذلك بمواجهة مباشرة مع جهات عديدة كانت أبرزها السلطة الصدامية القمعية الظالمة التي استشعرت الخشية من هذا التحرك الذي أخذ بالاتساع والتمدد واستطاع تحطيم حواجز الخوف والطوطمية داخل المجتمع وكذلك استشعرت بعض الجهات الخارجية والداخلية دينية وغيرها الخشية من اسدال الستارة على مشاهدها وتجربتها التقليدية بسبب هذا الحراك الجديد الذي غطى مجمل المساحة الشيعية الدينية والاجتماعية وأخذ بالتمدد أكثر فأكثر على مجالات محتملة اخرى ، ومن ذاك الأمر حسم النظام القمعي الصدامي أمره بالقضاء على هذا الحراك المشحون بالحماسة والفاعلية فعمدت السلطة الغاشمة الى اغتيال السيد الشهيد محمد الصدر ونجليه الكريمين بعد خروجه من برانيه الملاصق لمقام الامام علي بن أبي طالب (ع) حيث أردته رصاصات شهيداً مع اثنين من أبنائه مضرجين بدمائهم على مذبح الحرية.