علي لفتة سعيد
كشفت تقارير عن احصاءات مرعبة لحوادث الطرق التي تؤدّي بحياة الناس، وذكرت أن أعدادهم أكثر من ضحايا الإرهاب.. وتؤكّد هذه التقارير الرسمية أو الصحفية الاستقصائية أن عام 2021 مثلا سجل 22 حادثا في اليوم الواحد، بعد أن تم تسجيل أكثر من ثمانية آلاف حادث، تم مصرع أكثر من ألفي مواطن وبالتأكيد بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
وهذه الأرقام ربما تفوق ضحايا الإرهاب التي تحصل بين فترة وأخرى ويروح ضحيتها عدد المواطنين، إذ تم تسجيل ما يقرب من 600 ضحية في العام نفسه بما يعاني أن ثلاثة أضعاف الخسائر البشرية في العراق تأتي بسبب الحوادث
المرورية.
إن هذه الأرقام مخيفة جدا، وهي تعني أن عام 2022 سيكون أكثر دمويا في الحوادث المرورية، إذا ما علمنا إن كلما مر عام تزداد نسبة الحوادث عن العام الذي سبقه.
إن هذه الخسائر يمكن تقبّلها في الدول الفقيرة التي ليست لديها موارد طبيعية وليست فيه موارد بشرية، ولا يمكن تقبّلها في بلدٍ غني مثل العراق.. لكن يبدو أن غياب التخطيط والموارد البشرية التي تخطّط، واحدا من أسباب كثرة الحوادث المروريَّة التي يمكن تأشيرها بسهولة، وهي التي يمكن أن تعطي الحلول، إذا ما تأكّد لنا أن تأشير الأسباب تؤدّي إلى وضع الحلول من ذاتها، ولا تحتاج إلى كثير من الجهد العقلي.. وهو الأمر الي ينعكس بشكلٍ مباشرٍ على تطوير الأداء الإداري والتخطيطي والعمراني، الذي بقي راكدًا في مكانه لأسباب سياسية رافقت الهيكلية العامة للدولة ما بعد الاحتلال الأميركي.
إن واحدة من أهم أسباب زيادة الحوادث المروية تكمن في قيام شركات ربما تابعة لجهات متنفذة بالاستيراد العشوائي للسيارات، والتي ارتفعت من أقل من مليون إلى أكثر من سبعة ملايين حتى عام 2020، وبالضرورة يرتفع إلى أكثر من ثمانية ملايين سيارة في عام 2022، حتى أن وزارة التخطيط كشفت عن أنه سيكون أعداد السيارات في عام 2035 أكثر من 15 مليون سيارة، وهو ما يعني وبحسب وزارة التخطيط سيكون لكل كيلومتر مربع واحد 100 سيارة، في حين يبلغ في الوقت الراهن 145 سيارة لكل كيلومتر مربع.. وهذا الاستيراد وإزاء ما تقوم به مؤسّسات الدولة في تحديث ما لديها من أسطول السيارات الوظيفية أو الشركات، فأنها تضخّ بشكل يومي أنواع السيارات دون أن تكون هناك حلول ناجعة لمواجهة الأعداد فقط، بعد أن فشلت عملية تسقيط سيارات قديمة الموديلات لأسباب قد تكون معروفة أو غير معروفة، حتى لكأن المنافذ الحدودية تقوم بشكل يومي بإدخال أنواع السيارات، يضاف لذلك “التك تك” وأخواتها
الدراجات.
إن هذا السبب يعد الأهم والأكبر الذي يجب تأشيره مع تسارع وتنامي القوة الاقتصادية للعديد من المواطنين، خاصة أمام شركات تمنح السيارات بطريقة الأقساط دون كفيل، حتى صارت الدوائر الحكومية بحاجةٍ إلى مواقف للسيارات لاستيعاب سيارات موظفيها.. فبعد أن كانت المدرسة لا تجد في بابها مثلا دراجة هوائية الآن يغلق الشارع، الذي أمام المدرسة بالسيارات والدراجات النارية، وهذه كلّها بحاجة إلى شوارع جديدة تستوعها، وهو ما يعد السبب الثاني لأنها لم تزل على حالها ولم يجر أيّ توسّع لها، خاصة الشوارع الرئيسة على الطرق الخارجية بين المحافظات، أو الداخلية الواصلة إلى وسط المدن، وما جرى عبارة عن إعادة تعبيدها وتوسيع بعضها بما لا يتلاءم واعداد المركبات، حتى أننا نرى مشاريع التوسعة العشوائية تجري بشكلٍ مستمر، وهو ما أدى إلى استنزاف الأموال على مشاريع نفذت
بالتتابع.
إن بقاء الطرق على حالها مع زيادة أعداد المشترين لها مع زيادة أعداد الشركات التي تضخ بشكل يومي أنواعا جديدة، فإن الحال سيكون في الحوادث بشكل مرعب.
ولهذا فان الحل يمكن في التخطيط الذي يعالج الكثير من المشكلات، والتي تأتي من خلال معرفة الأسباب.. خاصة أن المشاريع التي شهدتها المحافظات ببناء المجسّرات، لم تكن بطرقٍ علمية، بل فقط لإرضاء الناس من أن هنا مشاريع نفذت، أو للحصول على الأموال بطريقة الفساد.. وإلا ما معنى تنفيذ مجسر لا يتعدّى طوله عرض شارعين يمرّ من فوقهما؟ في حين تنشغل الدول ببناء مجسّرات دوّارة طويلة تقلّل الوقت
والازدحام؟
إن غياب الحلول ربما يصطدم بمقولة إن العراق كان يعاني من الإرهاب مثلما يعاني من الفساد، وهو أمر حقيقي.
لكن الوقت قد حان لوضع ستراتيجية خاصة لبناء الطرق ولتكن خمسية على أن تنفذ ليس بطريقة (أننا نعمل في الوقت الحاضر)، بل بطريقة التنفيذ المفيد للمستقبل.