أسعار الغذاء أم أزمة غذاء؟

آراء 2022/06/07
...

 محمد شريف أبو ميسم 
 
تواصل وسائل الإعلام العالمية الخلط بين حالة ارتفاع أسعار الغذاء، جراء تراجع صادرات القمح الأوكرانية بفعل الحرب، وبين احتمالات حصول أزمة غذاء عالمية بدعوى انحسار المعروض في الأسواق العالمية، فيبدو الأمر وكأن ارتفاع أسعار الغذاء ناجمٌ عن خلل يهدد شعوب العالم 
بالمجاعة. 
بينما تشير المعطيات إلى أن نسب الانتاج العالمي في تزايد ناجم عن الخوف، مما قيل بهذا الشأن، اذ عمدت كثيرٌ من الدول الى زيادة مساحات الأراضي المزروعة، كما في الهند وبلدان شرق آسيا وشمال أفريقيا، ناهيك عن دول الاتحاد الأوروبي، وشرق أوروبا، ما يؤكد أن ارتفاع الأسعار ناجم عن استثمار أزمة الحرب من قبل المهيمنين على حركة التجارة العالمية والنظام المالي الدولي، في ظل تضخم عالمي جراء ارتفاع أسعار الطاقة بفعل حرب العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين روسيا من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جانب
آخر.
واللافت في هذا الشأن هو تراجع الهند عن قرارها الخاص بتصدير القمح للخارج بمعدل عشرة ملايين طن في هذا العام، بعد أن أعلن رئيس وزرائها ناريندرا مودي، أن “الهند مستعدة لاطعام العالم” على ضوء الضجة المفتعلة بشأن حصول أزمة غذاء عالمية، ومن المعروف أن الهند لم تكن من قبل مصدرا رئيسيا للقمح، لأن معظم محصولها يباع في الأسواق المحلية، مع أنها ثاني أكبر منتج للقمح في 
العالم. 
ومع ما قيل بشأن تهديدات الجفاف والفيضانات في أراضي المنتجين الرئيسين الآخرين، فإن الأنظار كانت باتجاه الهند لتعويض ما يقال إنه نقص في المعروض، فانخفضت الارتفاعات في الأسعار الى معدل 30 بالمئة في نيسان الماضي بعد أن تخطت حاجز الأربعين بالمئة، إلا أن هذا الانخفاض لم يدم طويلا، وعادت الأسعار للصعود، مستغلة قرار الهند بحظر التصدير، وهو القرار الذي حيّر المراقبين، خصوصا أن الهند كانت تطالب دوما بإعفائها من قاعدة منظمة التجارة العالمية، التي تمنع تصدير الحبوب من البلدان، التي تشترى بسعر ثابت من المزارعين للاحتياطيات الرسمية، وحين انتظر العالم تصديرها للقمح بفعل الزيادة في الإنتاج عادت، فاصدرت قرار الحظر، وبقي الأمر مبهما حيال هيمنة الرساميل التي تحكم العالم على حركة التجارة العالمية والنظام المالي الدولي، وعلى صناعة القرار في الدول التابعة، بينما تتولى امبراطوريات الاعلام العالمية، التي تهيمن عليها هذه الرساميل، مناقلة الرأي العام العالمي ليصطف معها، وهي تحاول ترويض الدب الروسي، مستفيدة من ارتفاع الأسعار وهي تسوّق للناس احتمالات وقوع 
الكارثة.