تغير أقطاب القوى من أوكرانيا إلى تايوان

آراء 2022/06/07
...

 سناء الوادي 
منذ الإنذارات الأولى لحرب روسيا على أوكرانيا، والصين تتجه بأنظارها نحو تايوان، متلهفةً للحظة البدء بإطلاق نيران التنين الصيني إليها. الصين التي راقبت بعناية ردود الأفعال الغربية والأميركية تجاه هذه الحرب، إلى أن حانت تلك اللحظة التي أشعلت فتيل طموحات الصين القديمة، بإعادة تايوان إليها وتحقيق الوحدة الوطنية.
 
بات من الواضح أن غموض هذا الملف قد قارب من نهايته ويطوي صفحاته الأخيرة، عندما ظهر الرئيس الأميركي – جو بايدن – مصرّحاً على إحدى القنوات التلفزيونية، عقب نشاطات جوية وبحرية صينية قريبة من تايوان، فضلاً عن التحرش بالأقوال والتصريحات من الرئيس الصيني، ملوّحاً باقتراب شن هجوم مسلّح لضم تايوان إلى البرّالصيني، حيث قال إن “الولايات المتحدة ملتزمةً بالدفاع عن تايوان عند أيّ محاولة للاعتداء عليها”، وتعهد بالتدخل العسكري إذا تعرضت الجزيرة 
للهجوم.
ليرد الرئيس الصيني – شي جين بينغ – وبلهجةٍ واثقة أنّه لا مجال للتهاون في أمور تتعلق بالسيادة الوطنية ووحدة الاراضي الصينية، محذراً أميركا من اللّعب 
بالنار.
فالأخيرة تعتبر تايوان هي الوريث الشرعي لجمهورية الصين بعد هزيمة حزب الكومينتانغ على يد الشيوعيين أثناء الحرب الأهلية عام ١٩٤٩م، وانسحابهم إلى تايوان ليؤسسوا هناك دولتهم ويحكموا البلاد، منذ اللحظات الأولى وأميركا حليف داعم لهم بالمال 
والسّلاح.
فالشيطان لا يلبث إلّا أن يزرع الشرّ أينما حلّ، ومع ما تشهده أميركا من تقهقر، فإن الرئيس الأميركي بايدن تخلّى عن سياسة الغموض وأرسل برسائل واضحة للدفاع عن تايوان، مؤكداً أن أميركا تستميت للدفاع عن مصالحها وليس لحلفاءها، خاصةً بعد ما أثبتته الحرب الروسية الأوكرانية بأن أميركا حليفٌ لا يمكن الوثوق 
به.
فهي عندما تدحض مزاعم الصين بأحقيتها في ضم تايوان لها كجزء لا يتجزأ من أراضيها، وتعتبرها دولة مستقلة ذات سيادة، فليس لنا إلاّ بنظرة عميقة في تاريخ تايوان، تلك الجزيرة الواقعة في المحيط الهادئ، يفصل بينها وبين الصين مضيق تايوان الحيوي وتقع في بحر الصين الجنوبي، حُكمت من قِبل أسرة تشينغ الصينية قرابة المئتين عام ونيّف، ويقال إن أكبر المجموعات الديموغرافية فيها هي من أحفاد سكان مقاطعة فوجيان وغواندونغ 
الصينيتين..
إلى أن كانت الحرب الصينية اليابانية الأولى والتي تنازلت على إثرها أسرة تشينغ عن تايوان لليابان عام 1895، لتستعيدها الصين بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، بموافقة الحلفاء آنذاك (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، ولكن بعد اندلاع الحرب الأهليَّة وهرب تشيانغ وحزب الكومينتانغ إلى تايوان، حيث جعلها مقرّاً لحكومته، بينما استمر الشيوعيون بحكم البرّ الصيني باسم جمهورية الصين 
الشعبية.
دفعت مقاومة السكان المحليين للجزيرة لحكومة القوميين الاستبدادية بالتحول إلى الديمقراطية، حتى تم انتخاب رئيس من خارج الحزب عام 2004 - تشين شوي بيان -.
ناهيك عن أن الصين منذ الثمانينات طرحت صيغة تعرف باسم ( دولة واحدة ونظامان)، تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة، إذا قبلت بإعادة توحيد الصين، وهو عرضٌ مغرٍ للتايوانيين بالعودة للحضن الصيني، وذلك خلال لقاء رئيس الوزراء الصيني شو اونلاي ووزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر، وهذا ما أغضب الكونغرس ودفعه لإصدار قانون العلاقة مع تايوان، معترفاً بحنث الحكومة الأميركية لوعودها بدعم تايوان، ومطالباً بمساندتها ضد الصين، ولكن بعد انتخاب (شوي بيان) شعرت الصين بالقلق وأصدرت عام 2004 م قانون مناهضة الانفصال، الذي يسمح لها باستخدام الوسائل غير السلمية، إذا حاولت تايوان الانفصال، على اعتبارها حكومة غير شرعية حسب 
قولها.
من اللافت أنّه وبعد معجزة تايوان ونهوضها الاقتصادي المزدهر قامت بتوقيع العديد من الاتفاقيات وإقامة المشروعات الكبيرة داخل الصين الشعبية، وذلك على حسب تعبير رئيستها الحالية - تساي إنغ ون – قد يكون رادعاً لتفكير الصين بتهديد تايوان بين الفينة والأخرى، خوفاً على مصالحها 
الاقتصادية.
الصين اليوم أصبحت أكثر حزماً في المنطقة، وربما حان الوقت لتحقيق ما تصبو إليه بقيادة ( شي جين بينغ ) الرئيس الصيني، الذي أعلن مشروعه الكبير بإعادة إحياء طريق الحرير، ليسعى ضمنياً لقيادة العالم، ويسعى جاهداً لكسر شوكة التفوق الأميركي في المحيط الهادئ.
تلك التي اتخذت من تايوان قاعدة عسكرية لها ووصفتها بأنها حاملة الطائرات التي لايمكن إغراقها، فضلاً عن اعتبارها طعنة في ظهر الصين قد توجّه في أي لحظة، وهو ما يساعد في بسط اليد العليا في حال تصاعدت التوترات الصينية 
الأميركية.
تايوان التي قد تصبح بعد أعوام قليلة المتحكم الأكبر بقطاع التكنولوجيا في العالم والقوّة الاقتصادية الواحدة والعشرون عالمياً، وتعتبر أحد النمور الآسيوية الأربعة، إضافة لمضيق تايوان المدخل الرئيس للنفط والغاز والبضائع لليابان وكوريا الجنوبية والصين، لن يجعل الصين تتوانى للحظة بفرض سيادتها على تايوان وبشراسة، لخنق اليابان وكوريا وأميركا وتأمين أراضيها وحماية سيادتها من أي عدوان خارجي 
محتمل. 
وهذا ما قد يقودنا في قادم الأيام لاحتمالية اندلاع الحرب العالمية الثالثة وتغير أقطاب القوى في العالم.