العراقيون يستذكرون فتوى الجهاد الكفائي

العراق 2022/06/13
...

 بغداد: مهند عبد الوهاب 
وعمر عبد اللطيف
 النجف الأشرف: حسين الكعبي 
يستذكر العراقيون، اليوم الاثنين، الذكرى الثامنة لإصدار فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجعية العليا في النجف الأشرف، التي أعادت للعراق هيبته وحافظت على وحدة أراضيه، من خلال التضحيات الجسام لأبطال الحشد الشعبي وهم يدافعون عن الأرض والعرض.
 
بينما دعا زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى تنظيم الحشد وقياداته الالتزام بالمركزية وفصلهم عن ما يسمى بالفصائل وتصفيته من المسيئين وعدم زجّ عنوان الحشد بالسياسة والتجارة والخلافات والصراعات السياسية وما شاكل ذلك.
وأصدرت المرجعية الدينية العليا في 13 حزيران 2014 فتوى الجهاد الكفائي، والتي مهدت لتأسيس الحشد الشعبي  بهدف مواجهة تمدد إرهابيي داعش التكفيريين، الذين سيطروا على أجزاء من البلاد حينها.
 
حشد المؤمنين والوطنيين
وقال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في بيان صحفي، "الحمد لله الذي نصر العراق وأهله وأذلّ الإرهــاب وأهله فأنت ياربّي ناصر المستضعفين والمجاهــدين أولاً وآخراً".
وأضاف "لا ينبغي التغافل إطلاقاً بما يخصّ فتوى المرجعية العليا بتأسيس الحشد والتي كان لها الأثر الأكبر في حـشد المؤمنين والوطنيين واستنفارهم من أجل نصرة العراق والمقدسات فشكراً لها".
وتابع، "الحمد لله الذي نصر المجاهـدين في استرجاع ثلث العراق المغتصب والذي بيع بلا ثمن سوى من أجل السلطة"، مشيراً إلى أن "الشكر موصول لأخوتنا وأحبّتنا في الموصل والأنبار وديالى وصلاح الدين وسامراء ممن رضوا بأن ندافع عنهم".
وشدد "لنثبت للجميع أن لا منّة في الجهاد والتحرير، بل ولزاماً علينا إعادة كرامتهم ونبذ الطائفية في مناطقهم وعدم أخذهم بجريرة المتـشدّدين منهم، فنحن وإياهم رافضون للإرهـاب وسنّ إرهاب الأهالي والمدنيين والأقليات وغيرهم".
وذكر السيد الصدر "أقدم احترامي ومحبتي لأخوتي المجاهدين في الحشد الشعـبي المـجاهد وإلى جرحاه وشهدائه الأبطال الذين ضحّوا من أجل وطنهم يداً بيد مع القوات الأمنية، وحباً بهم فإني أشجب كل الأفعال المسيئة التي تصدر من بعض المنتمين لهم وباسمهم وعنوانهم وجهادهم"، مؤكداً على "إلزام الجميع تنظيم الحشد وقياداته بالالتزام بالمركزية وفصلهم عن ما يسمى بالفصائل وتصفيته من المسيئين من أجل بقاء سمعة الجهاد والمجاهدين ودمـائهم طاهرة أولاً ومن أجل تقوية العراق وقوّاته الأمنية ثانياً وليبقى الحشدُ حشدَ الوطن وفي الوطن ثالثاً"، مشدداً على "عدم زجّ عنوان الحشد بالسياسة والتجارة والخلافات والصراعات السياسية وما شاكل ذلك".
 
حياة كريمة لعوائل الشهداء
إلى ذلك، بارك عدد من البرلمانيين ذكرى فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الرشيدة لتحرير الأراضي المغتصبة من قبل داعش الإرهابي .
وقالت النائب ميادة الكعبي لـ"الصباح"،: إن  تخليد ذكرى الفتوى المباركة يجب أن تكلل بالعمل لبناء  مؤسسات الدولة بما يتناسب  مع حجم تضحيات أبطال الحشد الشعبي الذين تطوعوا استجابة للفتوى المذكورة، لافتة إلى أهمية السعي لتحقيق حياة كريمة لعوائل الشهداء وتوفير فرص عمل وانعاش الاقتصاد، من خلال تشغيل المصانع  والاعتماد على المنتج المحلي ودعم الصناعة المحلية، فضلاً عن الإسراع بتشكيل  حكومة الأغلبية السياسية التي دعا لها السيد مقتدى الصدر . 
من جانبها، رأت النائب نيسان زاير، أن "فتوى الجهاد الكفائي أعادت هيبة وسيادة العراق بشكل كامل، كما تعد رساله تحذير لكل من يريد معتدي على الأراضي العراقية  بأن الاعتداء لن يمر من دون عقاب ".
وبينت لـ"الصباح" أن "إطلاق المرجعية الرشيدة لفتوى الجهاد الكفائي جاءت كصدمة للإرهاب الداعشي الذي تمرد كثيراً وحاول نشر الظلام، لكن حكمة المرجعية وإطلاقها الفتوى في الوقت المناسب، مكم من قهر الإرهابيين وكل من تسول له نفسه الاعتداء على العراقيين أرضاً وشعباً ".
 
ولادة جديدة
في السياق نفسه قال المتحدث باسم مديرية إعلام الحشد الشعبي، الشيخ عبد الهادي الدراجي لـ"الصباح": إن الفتوى المباركة أنقذت العراق من الانغلاق الطائفي المقيت والتكفيري، عاداً عام 2014 ولادة جديدة للعراق، من خلال تلك الفتوى التي دعا لها سماحة آية الله العظمي المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني "دام ظله الوارف"والتي  شكلت منعطفاً تاريخياً عظيماً.
وأضاف، أن الفتوى وطنية قبل أن تكون دينية استهدفت جميع مكونات الشعب من القادرين على درء الفتنة عن البلاد لحمل السلاح والتطوع، منبهاً على أن القوى الراديكالية التطرفية أرادت أن تمحو العراق من خارطة الدول العربية والعالم، إلا أن إرادة الله شاءت أن يتشكل حشد شعبي مبارك استطاعت قياداته من تأسيس المنهج الاعتدالي الذي أرادته المرجعية الدينية العظمي، واستطاع أن يرسم صورة من إدارة التنوع في جميع مؤسساته وقطاعاته ومديرياته وصنوفه القتالية . 
وأوضح الدراجي أن للفتوى الأثر الكبير والمعطاء لكل زخم جهادي، واستطاع الأبطال من خلالها تحرير البلاد والعباد من الانغلاق الداعشي والتطرف الدوغمائي الذي أتى لنا من بطون روايات "ما أنزل الله بها من سلطان"، وتمكنوا من رسم ملامح دولة جديدة عن طريق مرجعية رشيدة وصنوف القوات الأمنية من الجيش والشرطة والحشد الشعبي الذي يعد الرديف الأساس لها .
وبشأن الدعوات المغرضة لحل الحشد الشعبي، أكد الشيخ الدراجي أن تلك الدعوات تأتي عن طريق الانفعالات الإعلامية، لا عن الأطر الرسمية، فالحشد مؤسسة قانونية صوت عليها مجلس النواب ومعتمدة لدى الحكومة ووزارتي الدفاع والداخلية، فضلاً عن أنها مرتبطة بشكل مباشر بالقائد العام للقوات المسلحة حالها حال جهاز مكافحة الإرهاب.
 
الفتوى أنقذت المنطقة
من جهته، ذكر القيادي في الحشد الشعبي الشيخ كاظم الفرطوسي لـ"الصباح"، أن خطر عصابات داعش الإرهابي وصل إلى أطراف بغداد، بعد احتلاله لثلاث محافظات، ما دفع المرجعية العليا لإطلاق الفتوى المباركة إدراكاً منها لخطورة الموقف وتداعياته السيئة على عموم البلاد، وتمكنت من تعبئة عدد كبير من الجماهير سواء على المستوى العسكري أو الإعلامي أو الاجتماعي أو الطبي.
وأضاف الفرطوسي، أن المرجعية أنقذت من خلال فتوى الجهاد الكفائي، المنطقة بأكملها وأبطلت مخططات كبيرة كانت تطال دولاً عدة، لكن المؤسف أن هذه الدول لم تشكر العراق على هذه الوقفة الكبيرة وتحمله التضحيات الجسام، إذ لم يقف معه سوى بعض الدول التي كانت ترتبط به عقائدياً وجغرافياً، مفيداً بأن العراق يسجل اليوم تاريخاً جديداً بفضل الفتوى التي استطاعت عبر الأبطال الذين استجابو لها إيقاف خطر داهم كان يتهدد المنطقة بشكل عام، ولم تستطع أكبر حكومات العالم التصدي له .
وأشار إلى أن دور النجف لم يختص ببعض الأمور الشرعية في العبادات والمعاملات فحسب، وإنما يتحول في إي لحظة إلى دور تعبوي للجماهير باتجاه درء الأخطار والدفاع عن المقدسات والوطن، مبيناً أن هذه المواقف ليست جديدة، بل هو تاريخ المرجعية والعلماء منذ ثورة العشرين وقبلها، لكونها دائماً سباقة لحماية مصالح الناس والدفاع عنهم وحماية الأرض والمال.
وأكد استمرار الفتوى بالدفاع عن المقدسات، لأنها فتوى دفاعية يمكن العمل بها في كل وقت يكون فيه خطر على الإسلام والمسلمين وتهديد للأرض والعرض.
ونبه الفرطوسي على أن دعوات حل الحشد، ما هي إلا أمنيات لدى البعض لكنها بعيدة المنال، مشيراً إلى أن تلك الدعوات تنطلق دائماً من الكيان الصهيوني وذيوله الموجودة في البلاد أو في دول أخرى، مشدداً على أن وجود الحشد والحفاظ عليه يعد خياراً شعبياً .
 
إيقاف المؤامرة
أما رئيس مركز ارتقاء للبحوث والدراسات عباس العرداوي فقد بين لـ"الصباح"، أن الفتوى كانت عاملاً مهماً لقلب موازين المعركة لصالح الشعب العراقي وجيشه، متابعاً أن الفتوى المباركة كانت نقطة إحياء للشعب وتذكيره بمعاييره الأخلاقية التي تربى عليها، الأمر الذي دفعه لتلبية النداء بكل أطيافه ومكوناته وباستجابة عالية وسريعة.
في نفس الإطار، أكد عضو مجلس عشائر نينوى أحمد الحديدي بتصريح صحفي، أن فتوى الجهاد الكفائي التي صدرت من السيد علي السيستاني وتضحيات الحشد الشعبي وقفت بوجه المؤامرة الدولية التي كان يراد لها السيطرة على جميع المحافظات، منوها بأن داعش الإرهابي عندما سيطر على الموصل كان يريد الاستمرار والذهاب إلى بغداد والمحافظات الأخرى .
إلى ذلك نظم منتسبو حشد الدفاع (أئمة البقيع) في ديالى، احتفالية استعراضية بمناسبة مرور الذكرى الثامنة لإصدار فتوى الجهاد الكفائي، مطالبين في الوقت نفسه  بصرف رواتبهم ومستحقاتهم المتأخرة منذ العام 2014 لغاية الآن. 
وقال قائممقام المقدادية وكالة حاتم التميمي بتصريح صحفي، إن مقاتلي حشد الدفاع نظموا تظاهرة واستعراضاً احتفالياً في الوقت نفسه، محتفين بالذكرى الثامنة لفتوى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني التي دعت إلى محاربة داعش الإرهابي بعد اجتياحه عدة مناطق في البلاد، مشيراً إلى أن الاستعراض تخللته مطالبات  بدفع الرواتب المتاخرة منذ أكثر من 8 سنوات .
أحد المتظاهرين أشار  إلى وجود أكثر من 3500 مقاتل من لواء ائمة البقيع في ديالى يرابطون في أخطر وأسخن القواطع الأمنية، ويعملون بالمجان من دون أي دعم مادي وهم يتصدون للعناصر التكفيرية، مؤكداً تقديمهم الكثير من الشهداء والجرحى .
يذكر أن "حشد الدفاع" ينتشر في أطراف قضاء المقدادية منذ سنوات عدة، وتعرض لهجمات متكررة بالعبوات أو قناصة عناصر "داعش" بسبب قربهم من معاقل وأوكار التنظيم شمالي قضاء المقدادية وقرب تلال حمرين الساخنة.
 
استمرار العمل بالفتوى
ومن النجف الأشرف، قال معاون قائد فرقة الإمام علي (ع) القتالية عماد الزيدي في حديث لـ"الصباح" : إن العراق كان منطلقاً لداعش التكفيري لنشر الإرهاب في جميع أنحاء العالم، لذلك فإن فتوى الجهاد الكفائي لم تنقذ العراق فقط بل أنقذت العالم من الإرهاب والتطرف المغلف بطابع إسلامي، ولهذا السبب فإن الفتوى مستمرة لأن مؤامرات السيطرة على أرض العراق من خلال الخلايا والجيوب المتفرقة لداعش وأذنابها لم تنته بعد، لذلك فإن الحشد الشعبي والقوات الأمنية مازالوا يتحركون للقضاء على ما تبقى منها .
ومن خلال استذكار النصر على داعش الإرهابي يستذكر الزيدي التضحيات التي قدمها الحشد الشعبي، وعلى رأسهم الشهداء الشباب الذين هبوا لتلبية نداء فتوى الجهاد الكفائي ومن بينهم كوكبة متميزة من رجال الدين الأفاضل، مبيناً أن فرقة الإمام علي القتالية لا يقتصر نشاطها على الجانب العسكري، بل لديها الآن نشاطات في الجانب المدني، مثل المشاركة في حملات ترميم المدارس وحملات التنظيف وغيرها من المبادرات الخدمية والإنسانية . 
من جانبه تحدث أحمد الموسوي وهو إمام جامع في النجف لـ"الصباح" عن ذكرى انطلاق فتوى الجهاد الكفائي، قائلاً : إن الفتوى التي دحرت تنظيم داعش الإرهابي لم تكن ذات طابع عسكري فقط بل كانت تضم جانباً فكرياً أيضاً، إذ أظهرت الوجه الناصع للإسلام الذي أراد تنظيم داعش تشويهه، فالفكر الداعشي أراد تشويه الإسلام أمام العالم عبر قيامه بالقتل والذبح واسترقاق واستعباد البشر، وإظهاره على أنه دين تخلف وتراجع بعجلة الزمن إلى الوراء. 
ونبه على النصر الذي حققه العراقيون على داعش بفضل فتوى الجهاد الكفائي ، كان نصراً فكرياً قبل أن يكون نصراً عسكرياً، فقد أظهر للعالم بوضوح أن الإسلام المحمدي الأصيل يرفض كل هذه الأباطيل التي جاء بها داعش، بل يحاربها ويقضي عليها وينشر بدلها قيم الإخاء والتسامح والتعايش السلمي مع الآخر، مهما كان دينه أو عرقه أو قوميته . 
أما الحقوقي ثامر حسن فقال لـ"الصباح" : إن الفتوى كانت بمثابة ثورة على وضع الاسترخاء واللامبالاة السائدة آنذاك بين صفوف القوات الأمنية والقيادات السياسية، فقد كان هناك تراخ واضح في مسك الأرض إضافة إلى الفساد المستشري في مفاصل الدولة، ما جعل البلد مطمعاً لقوى الشر والإرهاب،  موضحاً أن الفتوى واندفاع العراقيين بجميع فئاتهم للدفاع عن الأرض، أطلقا روحاً وطنية متوقدة كانت مختفية بسبب الصراعات السياسية والحزبية.
 
تحرير: نجم الشيخ داغر